بينما يجذب الاقتصاد الصيني اهتمام العالم أجمع، اصبح نمو الاقتصاد الهندي يتفوق علي جارتها في النمو الاقتصادي.
فلقد تصدرت الهند قائمة أسرع الاقتصادات الكبيرة نمواً بالعالم خلال عام 2018، وفقًا لبيانات صندوق النقد الدولي.
وبعيدا عن ما يحدث في الصراع مع باكستان، فلقد برزت الهند باعتبارها أسرع الاقتصادات الرئيسية نمواً في العالم، ومن المتوقع أن تصبح واحدة من أكبر ثلاث قوى اقتصادية في العالم على مدار 10-15 عام القادمة، إلا أن ذلك مرهون لحد كبير بديمقراطيتها وشراكاتها القوية.
فمنذ بضع سنوات، حين وصل رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى السلطة قبل خمس سنوات وعد ب
- بتوفير 10 مليون فرصة عمل لتعزيز ودغم الاقتصاد الهندي
- متعهدا بمزيد من النمو والأمن وتقليل الفساد والروتين.
إلا إن هذا لم يحدث. فلقد بلغ معدل البطالة الآن بالهند لأعلى مستوى له خلال 45 عامًا. وتخلف الناتج المحلي الإجمالي للفرد عن منافسيه مثل الصين بهامش كبير.
ولكن، الأمر ليس بتلك البساطة
فالهند تواجه العديد من العقبات والتحديات. بالإضافة إلي كونها بلد كبير ذو كثافة سكانية ضخمة، تتوقع الأمم المتحدة له أن يواصل عدد سكانها الحالي والبالغ 1.3 مليار نسمة النمو بوتيرة تجعله يتجاوز عدد سكان الصين بحلول عام 2024.
فتري هل تستطيع الهند تخطي تلك العقبات والتحديات العديدة وتحافظ علي سرعة وتيرة نموها ؟
وتري ما الثمن ؟ وما هي الخطة ؟
والإجابة تتطلب العودة بالتاريخ كثيرا للوراء، وتحديدا عام 1947، بعد أن تحررت الهند من الإحتلال البريطاني وأصبحت دولة مستقلة ذات سيادة.
والتي واجهت حينها وهي مازلت لتوها في المهد تحبو العديد من العقبات الكبيرة أهونها:
- اقتصاد مدمر نتيجة احتلال اجنبي وصراعات داخلية .
- أمية متفشية فى معظم افراد الشعب الهندي .
- فقر مريع يبتلع اغلبية الشعب .
الأمر الذي جعل الحديث عن أي نمو لإقتصادي ضرب من الخيال ومهمة مستحيلة. إلا أن بعض الزعماء الهنود مثل ساردار باتل ونهرو وغيرهم حوّلوا الهند إلى دولة علمانية وديمقراطية.
فلقد تبنت الهند سياسة الاقتصاد المغلق خلال السنوات الخمس والأربعين الأولى بعد الاستقلال لتحقيق نمو اقتصادي مبكر لكن التقدم كان بطيئًا للغاية بسبب النظام الديمقراطي في الهند..
حيث اعتمدت الهند خطتها الخمسية للتنمية من الاتحاد السوفيتي بإعبتاره أقرب حلفائها ، من أجل تحسين البنية التحتية والإنتاج الزراعي والرعاية الصحية والتعليم .
انهيار الاتحاد السوفيتي وحرب الخليج
إلا أن خلال أوائل التسعينيات وبسبب انهيار الاتحاد السوفيتي وحرب الخليج، أدي إلي تدهور الاقتصاد الهندي وإنزلاق الهند في إزمة مالية عام 1991،
- وذلك لأن السوفييت كانوا يمثلون الشريك التجاري الرئيسي للهند .
- كذلك يمثل مورد رئيسي للنفط منخفض التكلفة. نتيجة لذلك، كان على الهند شراء النفط من السوق الحرة.
- توقف تحويلات ضخمة من العملات الأجنبية من الهنود العاملين في الشرق الأوسط ، حيث أعادت حرب الخليج آلاف العمال الهنود إلى ديارهم
وبالتالي نفدت جميع خيارات الحكومة. وأخيراً ، كان عليها إجراء العديد من الإصلاحات الاقتصادية وتغيير سياساتها الاقتصادية المغلقة واتباع اقتصاد السوق حر عام 1991.
نمو الاقتصاد الهندي
لكن استطاعت الهند تحقيق نمو اقتصادي في زمن قياسي وذلك بفضل ثلاث قوى دافعة حصدتها الإصلاحات الاقتصادية لعام 1991:
- زيادة الاستثمار الأجنبي المباشر.
- خبرة الهند في تكنولوجيا المعلومات.
- زيادة الاستهلاك المحلي بسبب تزايد عدد السكان من الطبقة الوسطى.
حيث ساعد الجمع بين الاستثمار الأجنبي المباشر والخبرة في تكنولوجيا المعلومات على توفير الآلاف من فرص العمل الجديدة وخلق طبقة وسطى متنامية أدت بدورها إلى زيادة الاستهلاك المحلي والتي نتجت عنها مرة أخرى تزايد الاستثمارات المباشرة لتلبية الطلب المتنامي من المستهلكين الهنود وهكذا.
ولصيانة الطبقة الوسطي ذو الدخل الميسر والتي تمثل العمود الفقري لاقتصاد الهند، والتي من المتوقع أن يحتل حوالي نصف سكان الهند تقريبا تلك الفئة بحلول عام 2040.
ونظرًا لأن نصف سكان البلد تقل أعمارهم عن 25 عامًا ، فإن الخطوة الجوهرية الآن تتمحور في إعداد قوى عاملة شابة تتلائم مع مستقبل عمل يعتمد علي التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي والتشغيل الآلي المتزايد.
الاقتصاد القائم على المعرفة
وأخيرا، إن صناعة تكنولوجيا المعلومات وصناعة الخدمات المتنامية كانتا السبب وراء هذا النمو الإقتصادي الذي شهدته الهند في الآونة الأخيرة.
فلقد أصبحت الهند مركزًا لتكنولوجيا المعلومات والاقتصاد القائم على المعرفة. نظرًا لتوفر قوة عاملة تقنية موهوبة للغاية وحماية محسّنة للملكية الفكرية، الأمر الذي حث العديد من الشركات الغربية لنقل أقسام البحوث والتطوير إلى الهند لتقليل تكلفة البحث والتطوير.
وأصبح قطاع الخدمات يساهم وحده بأكثر من نصف إجمالي الناتج المحلي:
- الزراعة: 17،4٪ من إجمالي الناتج المحلي، 49٪ من العمالة.
- الصناعة: 25،8٪ من إجمالي الناتج المحلي، 20٪ من العمالة.
- الخدمات: 56،9٪ من إجمالي الناتج المحلي، 31٪ من العمالة.
وهكذا، تمكنت الهند من الحصول على معظم عقود التعهيد والإستعانة بمصادر خارجية من الدول الغربية بسبب ميزة إنخفاض التكلفة.
وبذلك هيمنت الهند وأصبحت المتلقي الرئيسي لمراكز الاتصال الخارجية، ومراكز الفواتير الطبية ، وغيرها من الخدمات المتعلقة بإدارة الأعمال والتأمين.
أصبح نمو الاقتصاد الهندي مدعومًا الآن ب
- خبرته الخاصة في مجال تكنولوجيا المعلومات .
- وسوق رأس المال الكبير .
- تحسين البنية التحتية .
- تنمية الطبقة المتوسطة مع زيادة الدخل المتاح لها.
نمو الاقتصاد الهندي مجالات الريادة الهندية
برعت الهند في صناعة الاتصالات السلكية واللاسلكية، والتي تعد الآن الأسرع نمواً في العالم والتي تجاوزت الولايات المتحدة في عام 2017 لتصبح ثاني أكبر سوق للهواتف الذكية في العالم بعد الصين.
- وتحل الهند المركز الثاني كأسرع أسواق صناعة السيارات نمواً في العالم .
- وتتصدر الأسواق الناشئة في العالم في صناعة الأدوية والتكنولوجيا الحيوية حيث تعد الهند أول منتج ومصدر للأدوية الجنسية في العالم حتى الآن
والتقدم فى العديد من الصناعات الهندية الرئيسية الأخرى مثل
- علوم الكمبيوتر.
- المقاولات و البناء.
- المواد الكيميائية .
- تجهيز الأغذية .
- الصلب .
- معدات النقل .
- الأسمنت.
- التعدين .
- النفط .
- الآلات .
- السياحة .
- صناعات التصنيع مثل النسيج.
الفقر التحدي الابرز
وعلي صعيد أخر، وعلى الرغم من أن الهند قد رفعت معدلات الأجور بالساعة لأكثر من الضعف خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، الأمر الذي ساعد ما يقرب من 431 مليون عامل وموظف هندي على الارتقاء للطبقة المتوسطة .
إلا أن الفقر لا يزال يمثل تحديًا كبيرًا في البلاد ، حيث لا يزال معدل الفقر يصل إلى 15٪ ( مقابل 60 ٪ عام 1981 و 42 ٪ عام 2005).
فمازلت الهند تضم أكبر عدد من الأشخاص الذين يعيشون تحت خط الفقر الدولي والمقدر من قبل البنك الدولي بنحو 1.25 دولارًا يوميًا.
وخلاصة القول، فعلى الرغم من التحديات الاجتماعية والاقتصادية الحادة التي واجهت الهند علي مر العقود، إلا أن الهند أثبتت قدرتها على اختراق الاقتصاد العالمي خلال العقد الماضي.
ومما تقدم من إنتظام إرتفاع معدل النمو، واحتضان الهند لأقوى أسواق الصناعة والزراعة في جميع أنحاء العالم والتي تضم العديد من الصادرات والواردات الهامة، فليس غريب ان تكون الهند واحدة من أسرع الاقتصادات نمواً في العالم بمعدل نمو متوقع يبلغ 7.3% خلال عام 2019 – 2020، بل ومن المتوقع أن تصبح القوة الأولى في العالم بحلول عام 2050.
ولتحقيق ذلك ولجعل النمو الاقتصادي للهند أكثر استدامة، تحتاج الهند إلى جيل ثانٍ من الإصلاحات وذلك ب :
- خصخصة الشركات المملوكة للحكومة .
- تحسين النظم المالية والقانونية لحماية الاستثمار .
- تحديث بنيتها التحتية.
- إدخال إصلاحات ضريبية صديقة للأعمال.
- ورفع مستوى قوانين العمل إلى المستوى الدولي .
- القضاء على البيروقراطية لجذب المزيد من الشركات الدولية .
ترجمه / ندا فرج
التعليقات مغلقة.