لماذا تراجع الذهب رغم الحرب بين إسرائيل وإيران؟ تحليل سلوكي لحركة الأسواق
تراجع الذهب رغم الحرب حيث شهدت الأسواق العالمية خلال الأسابيع الماضية مفارقة لافتة بين الحدث السياسي الجسيم في الشرق الأوسط، وبين السلوك الفعلي لأسعار الذهب. ففي الوقت الذي اندلعت فيه مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران، وبلغ التصعيد العسكري مستوى الضربات الصاروخية المتبادلة – بما في ذلك استهداف قاعدة جوية أمريكية في قطر – كان من المنطقي أن تشهد أسعار الذهب قفزة قوية باعتباره الملاذ الآمن التقليدي في أوقات الاضطراب. إلا أن الواقع جاء على النقيض تمامًا؛ فقد فشل الذهب في الحفاظ على مكاسب مبكرة فوق 3400 دولار للأونصة، بل أنهى الأسبوع على تراجع مقارنة بمستويات ما قبل اندلاع الحرب.
تراجع الذهب رغم الحرب حين تُخالف الأسواق التوقعات وتعيد ترتيب الفرص (يتحرّك السوق كما يشاء)
ما وراء سلوك تراجع الذهب رغم الحرب: هل الأسواق ما زالت “تستجيب” للأخبار؟
هذا السلوك “المخالف للبديهة” لا يُعد استثناءً، بل يمثل – من منظور بحثي – النمط السائد في الأسواق الحديثة. فقد أثبتت عدة دراسات تاريخية أن العلاقة المباشرة بين الحدث السياسي أو الاقتصادي، وردّ فعل السوق، ليست بالقوة التي يظنها كثير من المستثمرين.
في دراسة شهيرة عام 1988 أعدها كاتلر وبوتربا وسامرز تحت عنوان مالذي يحرك اسعار الأسهم، وُجد أن الأخبار الاقتصادية والسياسية تفسر فقط 20% من تحركات السوق، بينما تحدث التحركات الأكبر عادة في غياب أي أخبار جوهرية. وفي دراسة أحدث، تم تحليل أكثر من 90000 خبر مالي مرتبط بمئات الأسهم، فخلص الباحثون إلى أن “أغلب القفزات السعرية لا ترتبط بأي أخبار، ومعظم الأخبار لا تسبب تحركات”. وبتعبير أدق، فإن السوق “يتحرّك كما يشاء”، ويقوم المستثمرون والمحللون بعد ذلك باختراع تفسير بأثر رجعي يتوافق مع القصة السائدة.
هذه النتائج تعكس نقدًا جوهريًا للنموذج “الميكانيكي” في تفسير الأسواق المالية – النموذج الذي يفترض أن كل خبر يقود إلى نتيجة واضحة ومباشرة في الأسعار. لكن كما تشير كتاباتالنظرية الاجتماعية الاقتصادية للتمويل، فإن هذه الرؤية خطيرة في بساطتها، لأنها تتجاهل الطبيعة السلوكية والديناميكية للأسواق، التي تتحرك بناءً على تدفقات سيولة وتوقعات تراكميّة، لا على الأخبار العاجلة فقط.
بنك يو بي إس: الذهب ليس رهانًا على الحدث… بل مكوّن استراتيجي طويل الأمد
في ظل هذا الفهم الأعمق، تظهر أهمية إعادة النظر في دور الذهب داخل المحفظة الاستثمارية. ووفقًا لتحليل بنك UBS، فإن المستثمرين يجب أن يتعاملوا مع الذهب كعنصر للتنويع والحماية طويلة الأمد، وليس كرهان لحظي على التصعيدات الجيوسياسية.
جوليان وي، كاتب الاستثمار لدى بنك يو بي إس، أوضح أن الذهب يحتفظ بقيمته من خلال ثلاثة أدوار رئيسية:
-
الأداء القوي في أوقات عدم اليقين، حيث يثبت الذهب مكانته كمصدر استقرار عند اضطراب العملات أو الأسواق.
-
وظيفته كمخزن للقيمة، وهي خاصية يعترف بها حتى البنوك المركزية.
-
دوره كمكوّن تنويع، يقلل من تقلبات المحفظة عندما تتحرك بقية الأصول بعنف.
هذه الأدوار تزداد أهمية مع ضعف الثقة في العملات الورقية، وارتفاع الديون السيادية، وتحوّل بعض الدول الكبرى – كالصين وروسيا – نحو تقليص اعتمادها على الدولار.
ورغم التحرك الجانبي الحالي، يظل بنك يو بي إس محافظًا على هدفه السعري عند 3800 دولار للأونصة، مدعومًا باستمرار الطلب الرسمي من البنوك المركزية وصناديق المؤشرات.
الذهب بلغ التشبع المؤقت لذا تراجع الذهب رغم الحرب وأسعار الطاقة تقود الفرصة القادمة
في المقابل، يرى جيسي فيلدر – مؤسس ذا فيلدر ريبورت – أن أسعار الذهب قد سبقت الواقع الاقتصادي قليلًا، بعد صعودها القياسي فوق 3500 دولار. ويعتقد أن الذهب دخل الآن في مرحلة “تحرك جانبي”، وهي سلوك تقليدي يعقب كل قمة سعرية كبرى. استشهد فيلدر بسلوك الذهب في العقد الماضي، حين بلغ ذروته في 2011، ولم يُعد اختبار تلك المستويات إلا بعد تسع سنوات، في 2020، فيما لم يخترق مستوى 2000 دولار بشكل مستقر إلا في 2023.
في غذون ذلك، أشار فيلدر إلى أن الفرصة الكبرى الآن باتت في قطاع الطاقة، وعلى وجه التحديد النفط. حيث صعدت أسعار خام غرب تكساس الوسيط بأكثر من 30% خلال الأسابيع الماضية، بدعم من التوترات الجيوسياسية، قبل أن تستقر عند 73.32 دولار للبرميل. لكن التحليل الأهم في رأيه، يكمن في مؤشر الذهب/النفط، الذي بلغ أعلى مستوياته منذ أزمة 2020، مما يعني أن النفط حالياً “مقوّم بأقل من قيمته”.
ما الذي يجب على المستثمر فعله الآن؟
المشهد الراهن لا يُنبئ بانعطافة واضحة للذهب في المدى القصير، خاصة مع غياب حوافز جديدة تتجاوز الأحداث المُسعّرة بالفعل. وعلى النقيض، يبدو قطاع الطاقة – وخاصة النفط وشركاته – مرشحًا لأن يكون محور التحركات القادمة. لذا على المستثمر الذكي أن يُدرك أن الأسواق لا تُدار بالعناوين، بل بحسابات أعمق. ومثلما يُوصي التحليل السلوكي، فإن إغلاق شاشة الأخبار، وفهم السياق الأعمق للأصول، هو الطريق الأكثر نجاعة لتحقيق أهداف الاستثمار. لمن يفضل الجمع بين الاستقرار طويل الأمد والفرص المتغيرة، فإن الاحتفاظ بمراكز أساسية في الذهب مع التحوّل التكتيكي نحو النفط والطاقة قد يكون هو التوازن الأمثل للمرحلة القادمة. يمكنك تداول الذهب والنفط من خلال أكبر شركات الوساطة عبر أفضل موقع للكاش باك في العالم العربي حيث يمكنك التداول بأمان.
التعليقات مغلقة.