اصدر دانيال كانيمان، الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد كتابا جديدا يتضمن فيه ما الدافع وراء اسباب اتخاذ قرارات خاطئة، وذلك ليس في الاستثمار وإنما في الحياة عموما ولماذا يمكننا أن نفعل حيال ذلك؟
لماذا نتخذ جميعًا مثل هذه القرارات السيئة؟ او ماهو الدافع وراء اتخاذ قرارات خاطئة
تخيل طبيبين يقدمان تشخيصين مختلفين لمرضى متطابقين، أو قاضيين يصدران احكام مختلفة تمامًا لأشخاص من نفس الخلفية ارتكبوا نفس الجريمة. أو اثنين من خبراء الاقتصاد، يتنبئون بنتائج محتلفة رغم إنهم يستندون لنفس البيانات الاقتصادية.
- لماذا يحدث ذلك؟
- هل هناك طريقة لاتخاذ قرارات أفضل؟
- ما الأسلوب الذي يمكنا من اتخاذ القرار أكثر منطقية؟
- هل يمكننا إزالة بعض المشاعر التي تعيق قدرتنا على اتخاذ القرارات الصحيحة؟
- الأهم من ذلك، هل يمكننا إيجاد طريقة لإصدار أحكام أفضل باستمرار؟
وهذا بالفعل ما تمت مناقشته في كتاب “الضوضاء”، والذي الفه أحد الآباء المؤسسين للاقتصاد السلوكي ومؤلف كتاب “التفكير السريع والبطيء”، إلا أن هذا الكتاب ألفه هو وزملائه أوليفر سيبوني وكاس آر سنستين.
الضوضاء
يعرّف كانيمان وزملاؤه “الضوضاء” على أنها “تباين في الأحكام والتى يُفترض أن تكون متطابقة”. واسندوا أن هذا “التباين” يأتي من الأحكام ذاتية التي لا تتبع قواعد دقيقة. ولعل هذا “الضجيج” موجود دائمًا في حياتنا.
الفرق بين التحيز والضوضاء
هناك فرق بين التحيز والضوضاء. إذا صعدت على ميزان، وكل يوم يبالغ الميزان في وزنك الحقيقي بمقدار 2 رطل ، فهذا يعد تحيزًا. ولكن، إذا صعدت على ميزان، وذات يوم بالغ في وزنك بمقدار 2 رطل، وفي اليوم التالي قلله بمقدار 1 باوند ، وفي اليوم التالي زاد بمقدار 3 أرطال، فهذه هي الضوضاء.
ربما تكون الثقة المفرطة، والتي وصفها كانيمان بأنها أهم سبب التحيزات المعرفية ” في كتابه ” التفكير السريع والبطيء “. وإشار إلي إلقاء اللوم على الثقة المفرطة في كل شيء بدءا من غرق تيتانيك انتهاء بأزمة الرهن العقاري والأزمة المالية العالمية عام 2008.
تم تحديد العديد من التحيزات الأخرى، بما في ذلك التحيز التأكيدي، والذي يعمد لاستخدام المعلومات التي تتناسب مع المعتقدات الحالية مع تجاهل المعلومات التي لا تتناسب مع تلك المعتقدات. ونفور من الخسارة، حيث يُنظر إلى الخسارة المحتملة على أنها أشد خطورة من المكاسب المحتملة المكافئة، وهي حالة معروفة جدا عند اتخاذ قرارات مستثمري الأسهم.
بإختصار، من السهل رؤية التحيز ووصفه، ولكن من الصعب رؤية الضوضاء علي الرغم من إنها ليست أقل ضررًا
الناس لديهم ثقة عالية في آرائهم الخاصة
معظم الناس لديهم ثقة كبيرة جدًا في آرائهم. هذا يجعل الحياة ممتعة، ولكنها مشكلة حقيقية عند التعامل مع الأحكام التي تؤثر على حياة الآخرين وصحتهم وأموالهم، لأن القضاة والأطباء وميكانيكي السيارات والمستشارين الماليين عادة لا يفهمون مدى خطورة نتيجة انحيازهم عند إصدار أحكام.
لهذا السبب، ينادي كانيمان جاهدًا لتطوير نهج اتخاذ قرار دون تدخل الانحياز البشري، لانه نهج قائم علي القواعد والخوارزميات. لأنه يعتقد أنه إذا ما تم بناؤها بشكل صحيح فإنها تتفوق على الحكم البشري.
تقليل اتخاذ القرارات الخاطئة
لتوعية المؤسسات بكمية اتخاذ قرارت خاطئة محتملة، يقترح كانيمان إجراء فلترة للضوضاء. وهي طريقة لقياس مقدار الضوضاء الموجودة في الأنظمة، والتي يمكن أن تكون أي شيء بدءا قسم الأشعة إلى وكالة التأمين وشركات الخدمات المالية.
على سبيل المثال، إذا قدم أعضاء فريق الأشعة تحليلًا مختلفًا تمامًا لنفس الأشعة السينية لنفس المريض، فهذه مشكلة ضوضاء.
يصف كانيمان بروتوكولًا لتدقيق الضوضاء، يتضمن دراسة كيفية تفاعل مجموعة من الخبراء في شركة ما. حيث يقترح مشاركة ما لا يقل عن 12 مشاركًا يدلون بأرائهم حول دراستين أو ثلاث دراسات حالة واقعية على أساس فردي. وسيتعين على كل عضو تلخيص القضية والحكم إما عدديًا بالدولار أو بالنسب المئوية أو بالاحتمالات أو على نطاق ما من خمس درجات على الأقل، مثل “قوي جدًا”، “قوي”، “متوسط”، “ضعيف، “أو” فقير جدًا “. مع الأخذ في الاعتبار أن لا يُسمح لهم بالتواصل مع بعضهم البعض.
علي جانب أخر، يتم استقصاء المسؤولين التنفيذيين الذين قاموا بتجميع دراسة الحالة مسبقًا لتقييم مدى توقعهم من خبرائهم للاتفاق على أي حالة معينة، ومستوى الخلاف الذي سيكون مقبولاً. وبالتالي إذا اختلفت النتائج بشكل كبير عن التوقعات، فهناك مشكلة الضوضاء.
علم صحة القرار
يقترح كانيمان بقياس صحة القرار لتقليل الضوضاء، وذلك بتضمين المبادئ التالية:
- الهدف من الحكم هو الدقة وليس الشخصنة الفردية.
- استخدام القواعد أو الخوارزميات لتنحي احتمالية تأثير الفروق الفردية، والتي تؤدي بأناس مختلفين إلى تكوين وجهات
- مقاومة الحدس المبكر. يتخذ المحترفون قرارات سريعة جدًا بناءً على الخبرة السابقة، والتي تعد مصدرًا رئيسيًا للتحيز والضوضاء. يقول كانيمان: “لا يجب حظر الحدس، لكن يجب أن يكون على علم، ومنضبط، ومتأن”.
- احصل على أحكام مستقلة من قضاة متعددين، ثم ضع في اعتبارك تجميع تلك الأحكام.
الخلاصة، وإنه على الرغم من عدم كمال الطبيعة البشرية وعدم قدرتها علي الإطلاع علي المستقبل، فإننا لسنا عاجزين. ولكن يمكننا تحسين قدراتنا على اتخاذ القرار. فالمعركة مع الضجيج والتحيز، والمعركة بالتنبؤ بالمستقبل بشكل عام، تتلخص في معركة من أجل الحيادية والمصداقية.
المصدر: CNBC
التعليقات مغلقة.