نمو الاقتصاد المصري يزيد المصريين فقراً على الرغم من الإصلاحات الإقتصادية التي تبنتها الحكومة المصرية. فمنذ نوفمبر 2016 بتوجيه ودعم من صندوق النقد الدولي، لم تسفر عن استقرار اقتصادي اتبعه نمو لمؤشرات الاقتصاد الكلي، جعل من مصر صاحبة الاقتصاد الأسرع نمواً في الشرق الأوسط، إلا إنها اسفرت أيضا عن ارتفاع معدلات الفقر وانتشاره بين مختلف فئات وطبقات المجمتع المصري.
فلقد أشارت إصدارات الجهاز المركزي المصري للإحصاء بأن معدلات الفقر ارتفعت بنسبة 5٪ خلال الثلاث السنوات الماضية بفضل الارتفاع المستمر في الدين الخارجي.
إذا فكيف لنمو الإقتصاد المصري أن يرتفع بل ويصبح الأسرع بينما تزداد معدلات فقر شعبه هكذا؟
ولعله السؤال الذي داهم الكثير من الأقتصاديين هنا وهناك .. وتتلخص إجابته في جملة واحدة ألا وهي:
” إن هذا النمو الإقتصادي لا يخلق فرص عمل بدخل حقيقي”.
نمو الاقتصاد المصري … يزيد المصريين فقراً
على الرغم من سهولة تفسير ارتفاع معدلات الفقر وإعزائها كأثر اجتماعي طبيعي لبرنامج الإصلاح الإقتصادي الذي حدده صندوق النقد الدولي والذي بدأ منذ نوفمبر 2016 والذي لزم:
- التخفيض الكبير في قيمة الجنيه المصري بعد تعويمه.
- تخفيض الدعم ورفعه جزئيا.
- زيادة الضرائب المفروضة على الاستهلاك.
حيث يري الخبراء والمعلقين بأن مثل تلك الإصلاحات المالية والنقدية هي التي آلت لفقر الكثير من المصريين. على الرغم من استقرار مؤشرات الاقتصاد الكلي، حيث أن معدلات التضخم تحت السيطرة، وسعر الصرف يمضي نحو استقراره، وأسعار الفائدة تمضي هي الأخري في طريق التخفيض.
علي الرغم من منطقية التفسير، إلا أن الاتجاه الصاعد في معدلات الفقر يسبق تلك التدابير الأخيرة لصندوق النقد الدولي. فلقد أشارات الإحصاءات المصرية الرسمية إلى أن معدلات الفقر ازدادت بشكل مطرد منذ أوائل التسعينيات؛ فلقد تضاعفت معدلات الفقر تقريبًا منذ عام 2000.
بالتالي فإن الارتفاع الأخير في معدل الفقر ما هو إلا استمرارًا للاتجاه الأقدم. ربما أدت تدابير صندوق النقد الدولي التقشفية لتفاقم الوضع الكائن لا استحداثه.
لذا لابد أن يعي أولئك الذين يركزون على تدابير برنامج الإصلاح الاقتصادي التقشفي لصندوق النقد الدولي فقط لتفسير معدلات الفقر المتزايدة بين جموع المصريين، بأن هناك بعض العوامل الأخرى التي لابد من وضعها في الحسبان.
العامل الأول: التكوين القطاعي للنمو الاقتصادي المصري
نجد إن القطاعات التي تحقق أكبر نمو وتخلق قيمة اقتصادية حاليا ما هي إلا:
- القطاعات المكثفة لرأس المال والطاقة مثل قطاعات تعدين النفط والغاز، وقطاع الخدمات المالية والمصرفية، وقطاع الاتصالات السلكية واللاسلكية، وبالتالي فهي لا تخلق سوي فرص عمل قليلة نسبيًا.
- أو بعض القطاعات المتنامية مثل قطاع السياحة والعقارات والتي تتطلب الكثير من العمالة منخفضى المهارات، ولكنها تدفع أجور منخفضة.
اما القطاعات المكثفة للعمالة والتي تخلق وظائف تتسم بالإنتاجية العالية و وارتفاع أجور العاملين بها والذي لابد أن يكونوا ذوي كقاءات ومهارات عالية واساليب تقنته متطورة، فإنها لم تنمو نموا ذات تأثير يذكر على المعدلات الإجمالية للفقر. فعادة ما تتطلب هذه القطاعات استثمارات عامة كبري في التعليم والتدريب المهني وفي البحث والتطوير، بالإضافة إلى توافر بنية تحتية مؤسسية صديقة للابتكار ومدعمة لريادة الأعمال. وهذا ما لم تضعه الحكومات المصرية بإختلافها ضمن قائمة أولوياتها.
فلقد كان أغلب فرص العمل في مصر، على الأقل في فترة الثمانينات، في القطاع غير الرسمي، وذلك من خلال العمل الحر أو في المشاريع التجارية الصغيرة التي توفر وظائف تدفع أجور معدمة.
فلقد أظهرت دراسة لمنظمة العمل الدولية في عام 2009 وفقًا لمؤشر العمالة المؤقتة في البنك الدولي. بأن :
- نسبة 91 ٪ من الشباب المصريين العاملين يشغلون بشكل غير رسمي وظائف تتميز بانخفاض الإنتاجية
- انخفاض الأجور ولا تقدم تأمينات اجتماعية أو صحية.
- بلغ متوسط نسبة العمالة الغير رسمية في مصر ما يقدر بـ 24.09٪، في الفترة بين 1997 – 2007 .
العامل الثاني: إعادة التوزيع.
فالإخفاق في إعادة توزيع الاعباء و الثروات المكتسبة بالنمو الإقتصادي بكفاءة وعدل يساهم بنسبة كبيرة جدا في ازدياد أعداد الفقراء. فالنهج الذي اتبعته الدولة المصرية لعلاج أزمتها المالية منذ الثمانينات لتحقيق الاستقرار في مؤشرات الاقتصاد الكلي وإعادة تنشيط الاقتصاد والذي انحصر علي
- جمع الضرائب و العمل على زيادة حصيلتها تحت مسميات مختلفة .
- تطبيق التدابير التقشفية العرضية مثل خفض الإنفاق العام ورفع الضرائب غير المباشرة على الاستهلاك.
وعادة ما أدي كلا الإجراءان لإلقاء وطأة إدارة الأزمة المالية بشكل غير متساو على أكتاف المصريين الأكثر فقراً والأكثر ضعفا.
ولعل المؤسسات المالية الدولية متواطئة هي الأخري في سوء اعادة التوزيع على الأقل بتوجيها المتكرر لاستخدام مثل تلك السياسات التفشقية الفقيرة كإصلاحات ضروري كشرط ضروري وكافي للتنمية وتحقيق النمو.
متغافلين عن كون المؤشرات الإجمالية مثل عجز الموازنة، ومعدلات نمو إجمالي الناتج المحلي والاحتياطيات الأجنبية، مجردة للغاية، فهي اقتصادية بالحد الكافي الذي يجعلها لا يمكن استيعاب الأبعاد الاجتماعية والسياسية والآثار المترتبة على الاقتصاد.
يتضح إنه لا مفر للخروج من هذا المأزق، إلا بتمكين المزيد والمزيد من النساء والرجال في سن العمل وخلق فرص حقيقية تشارك في خلق وإضافة قيمة اقتصادية.
الخلاصة:
إنه ينبغي لصندوق النقد الدولي والمقرضين الدوليين الآخرين وخبراء ومسئولي الاقتصاد المصري، الاهتمام أكثر بحدوث النمو. وكيفية إعادة توزيع إيرادات هذا النمو الاقتصادي من خلال الإنفاق الحكومي.
المصدر : bloomberg
التعليقات مغلقة.