في الوقت الذي تتنامي فيه الشعبوية و ويجتاح الاستبداد جميع أنحاء العالم ، تبرز اليابان كجزيرة منفردة تتمتع نسبيا بالاستقرارين الاجتماعي والاقتصادي. فماذا يمكن للعالم أن يتعلم من اليابان؟
كتب جيم اونيل – رئيس مجلس إدارة تشاتام هاوس
علي الرغم من أن كلا الاستقرارين ينبثقان من ظروف اقتصادية وجيوسياسية فريدة اختصت بها اليابان. إلا إن الوضع برمته مازال ينطوي علي بعض الجوانب التي قد تقدم شيئا تتعلم منه الدول المتقدمة الأخري.
اليابان تشعر في عام 2019 بإستقرار نسبي مقارنة بالاقتصادات المتقدمة الأخرى.
وإنه ليس من المستغرب بعد عقد من الآن، أن تستمر في إظهارها لأعلى معدل نمو لإجمالي الناتج المحلي الحقيقي للفرد الياباني ليصبح الأعلي بين افراد مجموعة السبع.
تغيير سياسة الهجرة
وعلي الرغم من أن معدل نمو إجمالي الناتج المحلي السنوي الحالي لليابان قد بلغ 1.1 % فقط خلال هذا العقد؛ إلا أن انخفاض عدد السكان وتقلص القوى العاملة الناجمين عن التحديات الديموغرافية التي تواجهها البلاد .
سيترجم بالطبع في نصيب أعلي للفرد وذلك ما يؤكد استمرارها في إظهار أعلى معدل نمو حقيقي للفرد.
فمن جانب، أعلنت الحكومة اليابانية أخيرا بجهودها لجذب بعض العمالة عن طريق تبنيها لإستراتيجية مؤيدة للهجرة. بعد أن أدركت مرخرا وبعد تأخير عمره 20 عاما علي الأقل أن الهجرة تمثل عامل مهم للنمو في المستقبل.
إستراتيجيه أبي وإكونوميكس (الاقتصادية)
وعلي جانب أخر، سيشهد هذا العام تولي شينزو آبي منصب رئيس الوزراء ليصبح الأطول خدمة بهذا المنصب في تاريخ اليابان. بعد أن تولى منصبه بعد عقدين من الزعماء اليابانيين المتعاقبين الذين لعبوا كراسي موسيقية.
ولعل السر في أن أبي حقق فترة رائعة من الاستقرار الاقتصادي، حيث نجحت إستراتيجيته الاقتصادية المميزة والتي تعرف بإٍسم أبينوميكس (“Abenomics”) والمتشقة من “أبي وإكونوميكس” والتي تشير إلى السياسات الاقتصادية التي دعا إليها والتي احرزت عددًا من النجاحات، وحققت نمو ملحوظ في نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي الحقيقي، مع وجود زيادات ملحوظة في مشاركة النساء في القوة العاملة. الأمر الذي يؤكد بأن لانكماش المستمر في اليابان قد انتهي.
الهدف الأول من السياسات الإقتصادية أبينوميكس: هو تحقيق النمو المستدام
ماذا يمكن للعالم أن يتعلم من اليابان؟
اقتصاديا
بما إن اليابان قد اوشك علي الذكري العشرين لتبي لسياسة التيسير الكمي. ولعل طول هذه المدة في إتباع تلك السياسة الغير تقليدية ، يثير حالة من عدم التأكد بشأن ما سيحدث حال تغييرها.
إلا إنه من الأرجح استمرار تلك السياسة وعدم التحول عنها، حيث أن التضخم والذي أمر آبي بنك اليابان بمتابعته يظل أقل من المستهدف له عند معدل 2٪ ، وذلك على الرغم من ضخ السيولة الهائلة والتدابير الرامية لإقناع الشركات برفع الأجور.
وبالتالي وفي ظل هذه الظروف، فإن إنهاء التيسير الكمي لا يعد خيارًا مطروحا. بل لا يزال البعض يفكر من حيث المبدأ في حكمة استمرار اتباعها إلى أجل غير مسمى.
حيث يتضح جليا، بإن بنك اليابان لا يمكنه تحقيق تضخم بنسبة 2٪ دون تقديم مخاطر نقدية كبيرة؛ غير إنه ليس من الواضح على الإطلاق أن ذلك المستهدف والمقدر بنسبة 2 ٪ كافي لتغيرها.
حتى وإن كان كافيا، فهناك الكثير من المخاطر الناتجة عن تعقب هذا المستهدف الضيق والذي سيأتي علي حساب أولويات السياسة الأخرى.
وهكذا يتضح أن طريق العودة صعب، وهذا ما إدركته العديد من الدول منذ التسعينات.
ومع ذلك ، من المتوقع أن يحافظ بنك اليابان على نهجه الحالي حتى مغادرة آبي منصبه علي الأقل.
والسؤال الملح هنا، ماذا سيحدث بعد ذلك ؟؟
مع تحول بنك اليابان إلى مثل تلك الحالة المشوشة في أسواق السندات والأسهم ، فإن الحد من التيسير الكمي قد يكون له آثار بعيدة المدى علي الاقتصاد العالمي. ما لم تتزامن نهاية هذا التيسير الكمي مع تحسن كبير في وضع الديون الحكومية والذي يتضح إنه أمر مستبعد إلى حد كبير، وبالتالي فإن أسعار السندات ستعاني كثيرا.
وقد ينعكس هذا التشوش أيضًا علي سوق الأسهم، نظرًا لأن بنك اليابان أصبح واحدًا من أكبر عشرة مساهمين في العديد من الشركات اليابانية.
وعلي جانب أخر،فإن توقف بنك اليابان عن مشترياته من الأسهم، سيجعل أسواق الأسهم تعاني من حالة تشوش أقل، وبالتالي سينصب الدور الأكثر أهمية في تحليل الأسهم الفردية. ولا شك في أن هذه المتغيرات بالإضافة إلى زيادة ضريبة الاستهلاك المخطط لها في اليابان، ستشغل أذهان المحللين الماليين لبعض الوقت في المستقبل.
ماذا يمكن للعالم أن يتعلم من اليابان؟
سياسيا
إن اليابان تمتلك خبرة كبيرة في إدارة العلاقات الشائكة مع الصين، الأمر الذي يجعلها قادرة بما يكفي علي تصدير الحكمة والخبرة للدول المتقدمة الأخرى ولجميع الحكومات التي تكافح في تحدي تحقيق التوازن بين جني ثمار النمو الصيني مع تجنب المخاطر المصاحبة للأمن السيبراني والمالي.
ويعتقد اونيل بأن صانعي السياسة في المملكة المتحدة سيشاركون آبي الحماس من أجل تعاون أقوى فيما يتعلق بحماية البيانات والأمن السيبراني والتي ستثمل أبرز القضايا التي سيتم طرحها في قمة مجموعة العشرين بأوساكا خلال يونيو المقبل.
تشريعيا
كما إنهم سيرحبون بالدعوة اليابانية لإرساء نظام حوكمة أفضل قائم على القواعد والتشريعات التي تتسم بكونها أكثر ذكاءا.
ولهم في ذلك نهج يتعلمونه ودليل يقتضون به من النجاح الذي حققته اليابان مؤخرًا في إبرام الصفقات التجارية مع جميع أنحاء آسيا ومع الاتحاد الأوروبي.
المصدر : weforum
التعليقات مغلقة.