الذهب يسجل مكاسب قياسية وسط توقعات باستمرار المكاسب
ماذا بعد 3500 دولار للذهب سؤال يطرح نفسه بعدما واصل الذهب تحقيق مكاسب قوية للأسبوع الثالث على التوالي، حيث يشهد السوق موجة صعود لافتة مع تزايد إقبال المستثمرين على التحوط وسط تصاعد المخاطر الجيوسياسية وتآكل الثقة في أصول الملاذ الآمن التقليدية مثل الدولار الأمريكي وسندات الخزانة.
انطلقت موجة الصعود الحالية في بداية تعاملات آسيا صباح الإثنين، لتستمر بقوة حتى نهاية التداولات الآسيوية صباح الثلاثاء دون أن تواجه مقاومات فنية تُذكر، في دلالة على الزخم الإيجابي الكبير. وقد سجل الذهب الفوري مستوى قياسيًا جديدًا بلغ 3500 دولارًا للأوقية، مسجلاً أعلى مستوى تاريخي له بعد تعديل التضخم والمسجل في يناير 1981 عند 3448 دولارًا.
ويُعد هذا الصعود الثالث بنسبة 4% خلال الشهر الجاري، وهو نمط لم يُسجل منذ نوفمبر 2008، عندما قفز الذهب بما يتراوح بين 3.5% إلى 6% في أربع جلسات فقط.
الطلب الاستثماري يواصل الصعود
من أبرز الدلالات على قوة الزخم الحالي هو القفزة في الطلب الاستثماري. فقد تجاوزت قيمة الأصول المدارة في صندوق SPDR Gold Shares (GLD) – وهو أكبر صندوق مؤشرات مدعوم بالذهب في العالم – حاجز 100 مليار دولار لأول مرة في تاريخه، وفقًا لبيانات الأسبوع الماضي. في حين أكد المحللون أن استمرار حالة عدم اليقين والتقلبات الجيوسياسية يدفع المستثمرين إلى الذهب باعتباره ملاذًا استراتيجيًا، مما يفسر هذا التدفق القوي.
تراجع الثقة في الدولار الأمريكي
في المقابل، يتزامن صعود الذهب مع ضعف متزايد في الدولار الأمريكي، حيث تراجع مؤشر الدولار إلى98.40 نقطة ليسجل أدنى مستوياته منذ أكثر من ثلاث سنوات. يأتي هذا التراجع في ظل الضغوط المتزايدة على سياسة الولايات المتحدة الاقتصادية والنقدية، خاصةً بعد تعليقات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الخميس والتي أشار فيها إلى رغبته في عزل جيروم باول رئيس الاحتياطي الفيدرالي، وهو ما زاد من تشكك الأسواق بشأن استقلالية السياسة النقدية الأمريكية.
ووفقًا لمحللين، فإن أي تحرك فعلي نحو إقالة باول سيكون بمثابة نقطة تحول خطيرة تهدد ما تبقى من الثقة العالمية في النظام النقدي الأمريكي، وأشاروا إلى أن “أسواق العملات تُعد أسرع وسيلة للتعبير عن سوء السياسات، ولا يُتوقع من المستثمرين الدوليين الاحتفاظ بأصول في بلد يهدد استقلالية مصرفه المركزي.
الحرب التجارية تقود التوجه نحو الذهب
الضغوط السياسية لا تقف عند حدود الداخل الأمريكي، إذ تواصل الصين التصعيد في حربها التجارية ضد واشنطن، مؤكدة أنها ستتخذ إجراءات مضادة ضد أي دول تتعاون مع الجهود الأمريكية لعزل بكين. ومن أبرز خطواتها تقليص واردات النفط من الولايات المتحدة بنسبة 90% وزيادة مشترياتها من النفط الكندي، إلى جانب رفع حجم استيرادها من فول الصويا البرازيلي، في محاولة لإعادة تشكيل علاقاتها التجارية بعيدًا عن النفوذ الأمريكي.
كما تواجه الولايات المتحدة صعوبة في إبرام اتفاق تجاري سريع مع اليابان، ما يزيد من الضغوط على البيت الأبيض وسط هذه المتغيرات.
التوقعات المستقبلية ماذا بعد 3500 دولار للذهب ؟
من الناحية الفنية، يرى محللو السوق أن الذهب ما زال يمتلك الزخم للوصول إلى مستويات 3550 دولار للأوقية في الأمد القريب. خاصة وأن الذهب استعاد زخمه الصعودي بعد اختباره لمتوسط 50 يومًا الأسبوع الماضي، بما يرجح أن يكون هذا الصعود بمثابة استكمال للموجة التصحيحية التي بدأت بعد ذروة ديسمبر. في السياق ذاته، يميل البعض إلىة اعتبار الذهب لا يزال يُعتبر “رخيصًا” في ظل هذه البيئة طالما بقي دون مستوى 4000 دولار.
ومن جانبها، أكدت ثو لان نغوين، رئيسة أبحاث السلع والعملات في كومرتس بنك، أن حالة الغموض الاقتصادي ستدفع الاحتياطي الفيدرالي لخفض الفائدة قريبًا، رغم محاولات باول التقليل من فرص حدوث ذلك. وأضافت أن استمرار التوترات التجارية وعدم وجود بوادر لاتفاقيات جديدة يجعل من الصعب على الأسواق تعديل توقعاتها، مما يدعم استمرار قوة الذهب في المدى المنظور.
اتفقت غالبية المؤسسات المالية على أن الذهب سيواصل اتجاهه الصاعد خلال الفترة المقبلة، حيث رجّحت مجموعة جولدمان ساكس وصول سعر الأونصة إلى 3700 دولار، بينما توقع البنك الأسترالي النيوزلندي (ANZ) أن يبلغ 3600 دولار في ظل استمرار الزخم الإيجابي في السوق.
الملخص
الذهب واصل صعوده القوي للأسبوع الثالث على التوالي، متجاوزًا مستوى 3500 دولار للأوقية لأول مرة في تاريخه بعد تعديل التضخم. هذا الارتفاع جاء في ظل تصاعد الإقبال الاستثماري على المعدن النفيس، خاصة مع تزايد التوترات الجيوسياسية وضعف الثقة في الأصول التقليدية مثل الدولار وسندات الخزانة الأمريكية.
التدفقات الكبيرة على صناديق المؤشرات المدعومة بالذهب مثل صندوق GLD، والتي تجاوزت أصوله 100 مليار دولار، تعكس تحوّل المستثمرين نحو الذهب كملاذ استراتيجي. في المقابل، استمر الضغط على الدولار الأمريكي بعد تصريحات من ترامب عن رغبته في إقالة رئيس الفيدرالي جيروم باول، وهو ما زاد من المخاوف بشأن استقلالية السياسة النقدية.
سياسيًا، تواصل الصين تصعيدها في الحرب التجارية مع الولايات المتحدة، بتقليص واردات النفط من أمريكا وزيادة اعتمادها على كندا والبرازيل، في وقت يصعب فيه على واشنطن التوصل إلى اتفاق سريع مع اليابان.
فنيًا، يرى المحللون أن الذهب ما زال يمتلك الزخم للوصول إلى 3550 دولار على المدى القريب، ويعتبره البعض ما زال “رخيصًا” طالما لم يتجاوز 4000 دولار. في ظل هذا المشهد، تبقى التوقعات إيجابية للذهب، مع احتمال خفض الفائدة الأمريكية واستمرار القلق في الأسواق.
التعليقات مغلقة.