عودة روسيا كقوة عظمى لا يمكن انكار الدور الذي يمكن ان تلعبه روسيا اليوم على مسار السياسة الدولية حيث تعتبر مؤثر فى شرق اوروبا وصاحبة وجود قوي فى الشرق الاوسط وهو على عكس الوضع الذي تخيله الرئيس الامريكي اوباما قبل تسليمة سلطاته
“لا يمكن للروس ان يؤثروا علينا أو ان يضعفونا بشكل ملحوظ ” مضيفا “انهم بلد صغير من حيث الامكانيات. اقتصادهم لا ينتج أي شيء يمكن ان يشتريه اى شخص، باستثناء النفط والغاز والأسلحة. انهم لا يملكون الابتكار. فقط ان فقدنا مسارنا قد يمكنهم التأثير فينا . يمكنهم أن يؤثر بنا إذا تخلينا عن قيمنا “.
كان شعار ولاية أوباما الأولى، فيما يتعلق الأمر بروسيا، كان “إعادة الضبط” في محاولة لتطبيع العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا بعد التوتر المتصاعد من سنوات بوش.
حيث زاد التوتر مع الغزو الروسي في عام 2008 لجورجيا. ، الا ان العلاقات بين واشنطن وموسكو تدهورت بعد عودة فلاديمير بوتين لمنصة الحكم في عام 2012 بشكل حاد، حيث بدا الرئيس بالقول ان الشيء الوحيد الذي علينا أن نخاف منه بخصوص روسيا، ، هو الخوف من روسيا نفسها.
كيف ساهم الروبل في تخفيف العقوبات الروسية
الحرب على اذرع روسيا الاعلامية … وقوتها الناعمة
ولم تكن هذه هى المرة الاولى التى يعلق فيها اوباما عن روسيا واهميتها الاقتصادية خاصة بعبارة
” ان روسيا لا تصنع أي شيء”
ففي مقابلة عام 2014 مع الاقتصاديين، ابان الحرب الأهلية المستعرة في شرق أوكرانيا
قال: “أعتقد أنه من المهم الحفاظ على منظور ان روسيا لا تصنع أي شيء. المهاجرين لا يسارعون إلى موسكو بحثا عن فرصة. متوسط العمر المتوقع للذكور فى روسيا نحو 60 عاما. حيث عدد السكان آخذ في التقلص “.
الا ان بين الخطابين حدثت تحولات كبيرة حيث ظهرت روسيا كقوة عالمية كبرى بعد التدخل فى سوريا بدعم بشار الاسد .
| تابع ايضا : كيف تحولت الصين من دولة مديونه إلى دولة عظمى ؟
بالاضافة الى ذلك اعلن مسؤولون في وكالات الاستخبارات الخاصة لصحفيين في واشنطن بوست ونيويورك تايمز ان روسيا قد تدخلت بشكل متعمد في الانتخابات الرئاسية الأمريكية بهدف :
- تقويض فرص نجاح خليفه اوباما المفضلة، هيلاري كلينتون.
- المساعدة في انتخاب مرشح غير مؤهل و مثير للريبة ويعتبر موالي لروسيا الامر الذى يهدد الكثير من تركة اوباما.
وبطبيعة الحال، حقق بوتين شيء مما كان يطمح اليه الاتحاد السوفيتي حيث التأثيرو إن لم يكن بشكل غير صريح، في نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية
ومن المسلم به ان تفكير الكثير من الأميركيين،الى ان بقاء الولايات المتحدة باعتبارها القوة العظمى الوحيدة في العالم وضع لن يستمر إلى ما لا نهاية، وكان التحدى المتوقع للهيمنة الأمريكية فى ذهن الجميع منحصرا فى الصين كقوة اقتصادية صاعدة ، أو ربما القوى الصاعدة في العالم النامي مثل الهند أو البرازيل.
وبينما كان الجميع يستبعدوا روسيا
- حيث ارض المصانع الصدأه .
- متوسط العمر المتراجع، حيث يتم غسيل افكار الناس عن طريق الدعاية بقيادة الرئيس القوي الكرتوني.
لم يكن احد ان يتوقع ان تكون روسيا دولة لا غنى عنها في الشؤون العالمية في عام 2017.
بوتين والفأر
هناك قصة مشهورة سردها فلاديمر بونين عام 2000 عن لعبه كان يشارك فيها مع بعض اصدقائة حيث كان يعيش هو واسرته فى احدى الاحياء الفقيرة فى مسكن بسيط كانت اللعبة عبارة عن مطاردة الفئران على الدرج .
يقول بوتين تعلمت من تلك اللعبة فهم معنى كلمة الحصار … كانت هناك جحافل من الفئران فى المدخل الامامي حيث اطاردهم انا واصدقائي بواسطه العصى وذات مرة رصد فأر ضخم ونجحت فى حصارة فى احدى الاركان وعندها استدار الفار حيث لم يجد مخرج والقى بنفسه فى وجهي .
هذه القصة ذات المغزى العميق يمكن استخدامها لبيان نظرة الرئيس الروسي حينما حاصرته العقوبات التى يرعاها الغرب بقيادة الولايات المتحدة وبدلا من قبول روسيا بمصير الفار القت روسيا بنفسها فى وجه المحاصرون لها .
قال الرئيس الروسى فلاديمير بوتين فى وقت مقارب عن تساؤل كتاب غربيين عن سر قوة بوتين ان العقوبات المفروضة على روسيا تسببت فى الوصول الى طريق مسدود لمن فرضوها
حيث صرح بوتين ان القيود من المحتمل ان تؤدى الى خسائر لمن ادخلوها، معربا عن امله فى ان يشعر الغرب بالملل بهذه السياسة ويمهد الطريق لتطبيع العلاقات مع روسيا.
وقال الرئيس الروسى ان “سياسة القيود المفروضة بشكل مصطنع فى العلاقات التجارية الدولية هى طريق مسدود يقود الجميع بما فى ذلك المبادرون بهذه السياسة الى فقدان الارباح والخسائر المباشرة”.
استراتيجية بوتين الرابحة
فما الذي يجعل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هذا الرجل الخطير؟ هل هو تدخله في الانتخابات الغربية ؟
ربما، على الرغم من أنه يبدو من غير المرجح أننا سوف نعرف من أي وقت مضى إلى أي مدى تأثير قوة هذه الخطوة .
هل هي مغامرته السياسة الخارجية؟
ربما، ولكن طعم للتدخلات الروسية فى الشئون الداخلية لدول اخرى قد تتسبب فى صراعات باهظة الثمن وغير مستقر على ما يبدو مع بعض التداعيات بالنسبة للغرب.
فكيف فعل ذلك، على الرغم من فرض عقوبات ساحقة المفترضة وتحطم أسعار النفط؟
ببساطة على الرغم من من العقوبات يركز بوتين على
- إبقاء الدين والتضخم منخفضا.
- كما حافظ على استمرار تراجع البطالة.
- واستقرار مدفوعات المعاشات التقاعدية .
- مع السماح بتحديث القطاع الخاص.
ما تفعله روسيا منذ 2008 فى محاولة اثبات نفسها كقوة عالمية بداية من :
- ارسال قوات “لحماية” الأقليات الروسية في جورجيا في عام 2008 بعد انتخاب هذا البلد حكومة معادية لروسيا.
- إعطاء حق اللجوء الى الهارب الامريكي إدوارد سنودن في عام 2013 .
- استغلال تقاعس الرد الامريكي على هجوم النظام السوري بالأسلحة الكيميائية والتدخل عسكريا لمصلحة نظام للأسد .
- الاستفادة من الفوضى التي اعقبت الاطاحة بالرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش في ضم شبه جزيرة القرم 2014 .
حيث اثبت بوتين انه من القادة الاكثر مهارة في اغتنام الفرص المقدمة لهم
لفهم الموقف الروسي الحالي، فإنه من المهم أن نفهم كيف أن الأحداث التي جرت في السنوات ال 25 الماضية، بدا من
- الانتقال السريع لرأسمالية السوق الحرة التي ينادي بها الغربيين.
- توسيع حلف شمال الاطلسي في الدول الشيوعية السابقة في أوروبا الشرقية.
- تدخل حلف شمال الأطلسي في البلقان.
- ومحاضرات حول حقوق الإنسان والديمقراطية باعتبارها المحاولات لتقويض النفوذ الروسي واحباط مصالحها .
عودة روسيا كقوة عظمى
ما الذي تغير في العام الماضي والذى حول روسيا التى لم تعد فقط تدافع عن مصالحها بل انها ذهبت لتوسيع تلك المصالح حيث لا تقتصر أمثلة من النفوذ المتزايد لروسيا بشكل تقليدي على “الخارج القريب” في دول الاتحاد السوفيتي السابق أو حتى الدول الحليفة السابقة بل انها توسعت اكثر من ذلك
التوسع السياسي
- كمثال في اجتماع أوبك الأخير لعب بوتين دور الوسيط بين إيران و السعودية للتوصل إلى اتفاق لخفض انتاج النفط .
- حتى لقاءه مع بنيامين نتنياهو في إسرائيل، وهو ليس الصديق التقليدي لموسكو
- التقاء رئيس الحكومة اليابانية الذي قضى سنوات يشكك في مزاعم روسيا بامتلاكها جزر الكوريل حيث وافق شينزوا ابي على معظم مطالب روسيا، وإقام “نظام خاص” للنشاط الاقتصادي المشترك على الجزر.
- حصلت روسيا على موطئ قدم لها في الاتحاد الأوروبي من خلال دعمها لعدد من الأحزاب اليمينية المتطرفة مثل حزب الحرية النمساوي.
كما زعم تقرير صادر عن احدى المراكز في بلغاريا حول دراسة الديمقراطية في أكتوبر ان النفوذ الروسي أصبح منتشرا جدا بشكل اصبح يهدد الاستقرار الوطني .
- فى العديد من بلدان أوروبا الشرقية، بما في ذلك بلغاريا، هنغاريا، لاتفيا، وصربيا، وسلوفاكيا .
وتحظى القوات العسكرية الروسية بتحديث سريع خاصة فى المنطقة القطبية الشمالية المتنازع عليها حيث اصبحت تكافئ منافسته الغربية.
الوسيط العالمي للطاقة
ولكن كما رأينا مرارا وتكرارا في الأشهر الأخيرة، فإن الولايات المتحدة لا يمكن بالضبط فرض إرادتها كلما وأينما تشاء. روسيا لم تصل بعد الى حدود قوتها اللقصوى مثلما كانت من قبل لكن في سياستها الخارجية تتصرف وكأنها الوسيط العالمي للطاقة، وتنجح فى القيام بذلك على نحو فعال.
الامر الذي يؤكد أن مكانة روسيا كقوة إمبريالية هو نتيجة طبيعية لموقعها الجغرافي بين أوروبا وآسيا. والتى تملك طريقة عمل تكتيكية في تقنيات “الحرب المختلطة”، والتي تشمل
- العمل السري العسكري .
- التلاعب الإعلامي والضغط السياسي، والنفوذ الدبلوماسي.
- زيادة الدورا المؤثر على نحو متزايد في الامم المتحدة
وبالتالى فلا يمكن الا الاعتراف بـ عودة روسيا كقوة عظمى
إدارة أوباما وحلفاؤها في أوروبا يراهنوا بشكل واضح على بينة من ان النفوذ الروسي المتزايد، قائم على اسس ضعيفة من السهل ان تسقط من تحت بوتين.
حيث تم بناء اقتصاد البلاد على أسس واهية ويعتمد بشكل كبير على صادرات الطاقة حيث تعاني حاليا في أطول فترة ركود منذ عقدين، ومعدل الفقر في البلاد لا يزال في أعلى مستوياته على الإطلاق. بسبب تراجع أسعار النفط العالمية حتى قبل فرض العقوبات من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي عقب الأحداث في أوكرانيا.
وقال أوباما في يونيو 2014
“إن أفعال روسيا في أوكرانيا والعقوبات التي فرضت بالفعل جعلت الاقتصاد الروسي ضعيفا حتى أضعف من اى وقت مضي”مضيفا “المستثمرون الأجانب بالفعل يغادروا بشكل متزايد بعيدا. … توقعات النمو الاقتصادي الروسي قد انخفضت إلى الصفر تقريبا. “وفي ديسمبر، عندما رأى الروبل أكبر انخفاض له منذ عام 1998
و كتب ” بول كروغمان في نيويورك تايمز فى علن 2014 “الحديث عن حرب باردة جديدة، مقارنات بين روسيا بوتين و الاتحاد السوفياتي، تبدو سخيفة بعض الشيء الآن، أليس كذلك؟
بعد ذلك بعامين، يبدو العمود الذي كتبه كروغمان سخيف بعض الشيء. وسيكون من الانصاف ان نقول ان العقوبات كان لها تأثير إذا كانت معايير النجاح زعزعة الاقتصاد الروسي ولكن اذا كان الهدف هو تغيير سلوك بوتين، وارغامه على “تغيير حساباته” كما قال أوباما فيبدو أنهم قد فشلوا.
ما يحدث بعد ذلك هو غير واضح. في المدى القريب، يبدو من المرجح أن يستمر النجاح الروسي في السياسة الخارجية.
- بعد سقوط حلب .
- انتخاب رئيس أميركي الذي يرى الصراع السوري بنفس الطريقة الروسية،
- تحسين العلاقات مع تركيا.
سوف تستمر روسيا لديها نفوذ مفرط في الصراع الدائر في سوريا.
المصدر :
التعليقات مغلقة.