سجلات أغلب عملات دول الشرق الأوسط والدول العربية تراجعًا كبيرًا على مدار العام الماضي وبداية العام الجاري، على الرغم من الظروف الاقتصادية المتابينة بين هذه الدول وتراجع الدولار من أعلى مستوياته المسجلة خلال العام الماضي. الا ان الضغوط السياسية والاقتصادية ظهر تأثيرها على عدد كبير من عملات الدول العربية والشرق أوسطية
كانت الليرة التركية بمثابة “كرة نارية” سياسية واقتصادية للرئيس رجب طيب أردوغان، وكانت نظيرتها اللبنانية بمثابة طبق يومي لمحادثات سكان بيروت. ونتيجة لذلك، أضيف الدينار العراقي مؤخرًا إلى سلة العملات المتذبذبة في المنطقة، مما ألقى بظلاله على عملتي سوريا وإيران اللتين يعتمد استقرارهما على تسرب الدولار من دول الجوار. من المتوقع أن تستمر تغييرات العملة التي كانت سائدة في عام 2022 في عام 2023 بسبب تصاعد التضخم، وارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية، والاضطرابات الجيوسياسية المستمرة، والقضايا الاقتصادية الأساسية.
ضغوط متزايدة على عملات دول الشرق الأوسط
انهيار الجنيه المصري
تقدم الجنيه المصري على رأس قائمة الأسوأ أداء من بين عملات العالم خلال 2022. وسط تسجيل تقلباتدراماتيكية في العالم، وفقًا لمؤشر “بلومبيرج” التي تقيِّم تقلبات العملة تاريخيًا على المدى القصير.سجل سعر الجنيه المصري أمام الدولار تراجع في ثلاث موجات خلال عشرة أشهر، البداية كانت في مارس 2022 عندما تراجع سعر الجنيه من مستويات 15.7 لكل دولار ليسجل 18.2 جنيه لكل دولار. ولك قبل تحريك ثاني من البنك المركزي الذي أعلن خلال شهر أكتوبر/ تشرين الأول عن تبني سياسة مرنة فيما يتعلق بسعر العملة ليصل سعر الدولار مستويات 23 جنيها للدولار. كانت هذه خطوة ضمن شروط صندوق النقد الدولي للموافقة على قرض بقيمة 3 مليارات دولار. بينما كان التحرير الثالث والذي حدث في أوائل يناير، عندما سجل الجنيه مستوى قياسيًا بعدما وصل إلى مستويات 32 جنيهاً للدولار قبل أن يستقر عند حوالي 29 جنيهاً.
وفي محاولة لتجنب التراجع السريع الذي سجلته العملة المصرية، أعلن البنك المركزي المصري في ديسمبر عن أربعة أنشطة غير قانونية تستخدم في تعميق أزمة الدولار وهي:
- استخدام بطاقات الائتمان خارج مصر.
- شراء وبيع البضائع في السوق المحلية بالعملة الصعبة.
- إرسال الأموال بشكل غير قانوني من المصريين في الخارج.
- إنشاء عدد قليل من الشركات الخاصة خارج الدولة، لا سيما في أعمال الوساطة التي تتم في الصناعات التصديرية والسياحية.
اما عن التوقعات المستقبلية يتوقع دويتشه بنك انخفاض قيمة العملة المصرية بنحو 10٪ لتصل إلى مستوى 33 جنيهاً للدولار، قبل الاستقرار مرة اخرى.
الليرة التركية وانتخابات أردوغان الأخيرة
استقر سعر صرف الليرة التركية مقابل الدولار منذ أكتوبر 2022 عند مستويات 18.7 تقريبًا. حيث تباطؤ تراجع العملة التركية خلال العام الماضي، حيث انخفض سعر الليرة بنسبة 28.5٪ مقابل الدولار. وذلك بعد سلسلة قوية من التراجعات على مدار عدة سنوات ماضية خاصة منذ 2018.
يقف البنك المركزي التركي وراء الاستقرار الظاهري لسعر الليرة التركية بعد اتباع عدة تدابير بديلة عن رفع معدلات الفائدة لمحاربة التضخم، بعد أن وصل التضخم في البلاد إلى أعلى مستوى له في ربع قرن مسجلاً ارتفاع بنسبة 85% خلال فبراير الماضي مثل:
- التدخل في أسعار الصرف حيث قدرت التقارير عن ضخ المركزي التركي نحو 75 مليار دولار خلال 2022 للحفاظ على قيمة الليرة.
- السياسات النقدية التي تشجع على استخدام أكبر للعملة المحلية بدلاً من الدولار.
في غضون ذلك، وسع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من حجم الانفاق الحكومي مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية على الرغم من ارتفاع التضخم. الأمر الذي يرفع احتمالية استخدام سياسات العملة غير التقليدية لتحقيق انخفاض حاد في التضخم إلى 20٪ بنهاية العام.
السياسة اللبنانية توسع الضغط على الليرة اللبنانية
انعكست الاضطرابات السياسية التي تشهدها لبنان على أوضاع الليرة اللبنانية التي كانت أول ضحية لانهيار لبنان المالي والاقتصادي المستمر منذ ثلاث سنوات، تلك الاضطربات التي تسببت في أزمة مصرفية ترتب عليها رفض البنوك منح المودعين أموالهم التي تم إيداعها بالدولار. بالاضافة إلى ديون لا حصر لها وتراجع في العملات الأجنبية في أزمة مزمنة. منذ اندلاع الاحتجاجات في الشارع اللبناني منذ 2019 شهدت الوضاع في لبنان:
- تقلص حجم الاقتصاد اللبناني بنسبة 60٪،
- خسرت الليرة أكثر من 97٪ من قيمتها مقابل الدولار نتيجة تدهور الأوضاع الاقتصادية.
- انعدام الأمن الغذائي لما يقرب من مليوني شخص في لبنان، حسب بيانات منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة.
خلال الأسبوع الأخير من يناير انهارت قيمة الليرة اللبنانية مقابل الدولار من 1500 ليرة إلى أكثر من 57 ألف ليرة، حيث خسرت نحو 25٪ هذا الأسبوع.
توقعات 2023 ليست جيدة بخصوص قيمة الليرة اللبنانية، حيث من المرجح أن تستمر في الانهيار بشكل حاد وسريع. نظرًا للأزمة السياسية وعدم القدرة على التوصل إلى اتفاق بشأن انتخاب رئيس جديد للبلاد.
تتصدر تحويلات المغتربين، والتي يبلغ مجموعها 6.8 مليار دولار سنويًا، دخل العملات الأجنبية، تليها عائدات السياحة التي جلبت 6.6 مليار دولار في عام 2017. ومع ذلك، فإن غالبية هذه الأموال لا تدخل القطاع المصرفي “بسبب انعدام الثقة”.
تهريب الدولار من العراق يضغط على الدينار
لم يستفد الدينار العراقي من الطفرة التي حققتها الدول المصدرة للنفط خلال العام الماضي، مما جعل أغلبية تلك الدول تنجو من شبح التضخم العالمي الذي تسجله أغلب الدول، على الرغم من حقيقة أن أرباح تصدير النفط في البلاد زادت بنسبة 53٪ العام الماضي من عام 2021 لتصل إلى أكثر من 115 مليار دولار، فإن العراق يغرد خارج القطيع. وصعدت أسعار المواد الغذائية في البلاد بأكثر من 50٪ منذ بداية العام، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى الانخفاض الحاد في قيمة الدينار العراقي مقارنة بالدولار، والذي انخفض بأكثر من 12٪ في كانون الثاني (يناير).
وزعمت عدة مواقع عراقية ترصد السوق السوداء أن السعر الجاري للدولار في بداية الأسبوع بلغ 1600 دينار مقابل 1460 دينارا للسعر الرسمي. الأمر الذي دفع رئيس الوزراء العراقي إلى إقالة مصطفى مخيف من منصب محافظ البنك المركزي العراقي وتعيين على العلاق الذي أعلن عن خطة تهدف لإعادة الاستقرار لسعر الدينار عن طريق الالتزام بالضوابط الدولية لمنع غسل الأموال وتهريب العملات من خلال الفواتير المزورة، وتطوير النظام المصرفي، وزيادة التعاملات الإلكترونية، وسحب العملة. كتلة نقدية ضخمة من السوق لمنع المضاربة التجارية “.
يستنتج البعض هذا الاستنتاج بالإشارة إلى أنه بمجرد أن ركزت الولايات المتحدة بقوة على ايقاف تهريب الدولار الخارج من العراق، بدأت عملات إيران وسوريا تفقد قيمتها أكثر نتيجة اعتمادهما على الدولار الخارج من العراق.بالاضافة لتوقف التسريب من العراق ساهمت الاحتجاجات في إيران في وصول الريال إلى أدنى مستوى له على الإطلاق
- تراجع الريال الإيراني إلى أدنى مستوى له منذ يوم السبت، مسجلاً 447 ألف ريال مقابل الدولار في السوق السوداء،
- واصلت الليرة السورية هبوطها الحاد، لتصل إلى أكثر من 6700 ليرة سوية مقابل الدولار.
التعليقات مغلقة.