من سيطرة الدولار إلى صعود البريكس أهم تغيرات الاقتصاد العالمي
صعود البريكس وتغيرات الاقتصاد العالمي تتميز الفترة الحالية تغيرات الاقتصاد العالمي على عكس الفترة من التسعينات وبداية الألفية، بلغت العولمة ذروتها في عالم تسيطر عليه القوة الاقتصادية والجيوسياسية الأمريكية، حيث كانت الأسواق العالمية تسير وفق إيقاع وول ستريت، فيما كانت البنوك المركزية تعتمد سياساتها بناءً على توجهات الاحتياطي الفيدرالي لتفادي تأثيرات الأموال الساخنة التي تتدفق بسهولة بين الأسواق، مهددة استقرار العملات والأسعار.
تغيرات الاقتصاد العالمي و صعود البريكس
استفادت الدول الحليفة للولايات المتحدة من الانفتاح على الأسواق والاستثمارات والتقنيات الأمريكية، ما أدى إلى ازدهارها الاقتصادي. أما الدول المعادية، فقد عانت من عقوبات اقتصادية وتقييد للصادرات، مما أسهم في عزلتها وتخلفها التقني والاقتصادي. خير مثال على ذلك هو مصير الاتحاد السوفياتي الذي انهار مقابل الصين التي ازدهرت بفضل علاقاتها الجيدة مع أمريكا.
في المقابل، نرى أن الاقتصادات الكبرى تسير في مسارات مختلفة. فبينما كانت أكبر مشاكل الولايات المتحدة منذ 2022 هي التسارع في معدلات التضخم في فترة ما بعد الجائحة، وهي مشكلة أثرت أيضًا على أوروبا وتفاقمت مع أزمة أوكرانيا ووقف إمدادات الغاز الروسي. كان ارتفاع التضخم في اليابان إشارة إيجابية، تدل على انتعاش اقتصادها بعد فترة من الركود، بينما واجهت الصين مشكلة انخفاض الأسعار.
لهذا السبب، اختلفت توجهات البنوك المركزية بشكل ملحوظ؛ حيث اتسمت خطوات البنك الاحتياطي الفيدرالي في مكافحة التضخم عن طريق رفع الفائدة مع ارتفاع التضخم، ثم تأخر في خفضها بعد تراجع ذلك التضخم. في حين اتخذ البنك المركزي الأوروبي وبنك إنجلترا خطوات أسرع في خفض الفائدة، وهو ما قامت به أيضًا العديد من البنوك في الأسواق الناشئة. في الصين، تركز السلطات على دعم سوق الأسهم والحد من الانهيار البطيء في قطاع العقارات، بينما يخطط بنك اليابان لرفع أسعار الفائدة وليس خفضها.
تراجع الهيمنة الأمريكية أبرز معالم تغيرات الاقتصاد العالمي
في ظل تباين توجهات البنوك المركزية، ظهرت تغييرات الاقتصاد العالمي مع تكشف آثار غير معتادة على الأسواق، مثلما حدث مع الين الياباني الذي شهد تقلبات ملحوظة هذا العام. ضعف الين دعم أرباح الشركات اليابانية وانتعاش مؤشر نيكاي، لكن الارتفاع المفاجئ للين أدى إلى تراجع حاد للأسهم اليابانية بنسبة 12% في يوم واحد من أغسطس.
كانت التجارة القائمة على الفارق في تكلفة الاقتراض منخفضة الفائدة في اليابان، حيث يقترض المستثمرون بتمويل رخيص ليستثمروا في أصول عالية العائد، قوة محركة. لكن مع ارتفاع قيمة الين، تراجعت جاذبية هذه الاستثمارات، مما دفع المستثمرين إلى الانسحاب السريع، مما أثر على مجموعة من الأصول من الأسهم الأمريكية إلى العملات المشفرة.
التراجع لم يقتصر على الاحتياطي الفيدرالي فقط، بل شمل أيضًا النفوذ الأمريكي على الصعيد السياسي. فرغم العقوبات الواسعة التي فرضتها واشنطن على موسكو في 2022، فإن مشتريات الهند من النفط الروسي والدعم العسكري من كوريا الشمالية ساهمت في استمرار الاقتصاد الروسي، الذي يتوقع أن يحقق نموًا بنسبة 3.5% في 2024.
تغيرات هيكلية في الاقتصاد العالمي
تغيرات الاقتصاد العالمي متتالية حيث انخفضت حصة الولايات المتحدة وحلفائها. في 1990، كانت الولايات المتحدة تنتج 21% من الناتج المحلي العالمي، فيما كانت دول مجموعة السبع تنتج نصفه، إلا أن هذه النسب تراجعت إلى 15% و30% على التوالي في 2024.
كما أن عددًا متزايدًا من الدول بات يبتعد عن النموذج الاقتصادي الذي صممته الولايات المتحدة، حيث تبرز تكتلات جديدة مثل مجموعة “البريكس” التي تحولت من مجموعة استثمارية إلى نادٍ فعلي يضم الأسواق الناشئة.
الفرص والمخاطر في عالم متعدد الأقطاب
لم يعد الدولار يتمتع بنفس الهيمنة السابقة كعملة احتياطية، حيث تراجعت حصته من احتياطيات البنوك المركزية من 72% في عام 2000 إلى 58% في 2023. وتزايد اعتماد الصين على اليوان في تسوية معاملاتها التجارية ليصل إلى ربع التعاملات، بعدما كان منعدمًا قبل عقد.
التغيرات الجارية تتطلب من الشركات اتخاذ قرارات استراتيجية أكثر دقة، لأن النجاح في اختيار الأسواق والمصادر قد يؤدي إلى نمو الإيرادات، بينما الأخطاء قد تجلب ارتفاعات في الرسوم الجمركية أو العقوبات.
الاقتصاد كمحور محلي
في ظل تباين السياسات الاقتصادية، أصبحت الاستثمارات أكثر تعقيدًا، والأرباح والخسائر تحدث بشكل أسرع. وقد شهدنا ارتفاع قيمة الجنيه الإسترليني ثم تراجعه مؤخرًا، وتعافي السوق الصينية بشكل سريع بفضل تحفيزات المكتب السياسي الصيني، قبل أن تتراجع بشكل قوي بعد أن كشفت التقارير عن أن التحفيز أقل من المتوقع. فيما ارتفعت أسعار النفط بنحو 10 دولارات نتيجة تصاعد التوترات في الشرق الأوسط، قبل التراجع بسبب توقعات الطلب الضعيف من الصين.
إجمالاً، يمكن القول إن الاقتصاد العالمي أصبح أكثر تعقيدًا وتفاوتًا من ذي قبل، مع زيادة أهمية القرارات المحلية لكل دولة. من يدرك هذه الحقيقة سيجد في التحديات الحالية فرصًا لتحقيق مكاسب جديدة.
التعليقات مغلقة.