تحليل تحركات الذهب بين سيطرة صناع السوق وتوقعات البنوك المركزية
يتعامل المتداولون يوميًا مع تحركات الذهب باعتبارها انعكاسًا طبيعيًا للأحداث الاقتصادية أو الإشارات الفنية، غير أن الواقع في كثير من الأحيان يختلف كليًا. خلف هذه الحركة يقف “صانع السوق” أو ما يعرف اصطلاحًا بـ”الميكر”، وهو الطرف المسيطر على حركة السعر في كثير من منصات العقود مقابل الفروقات (CFDs)، لا سيما في ظل بيئة تداول لا تعكس دائمًا السوق العالمية الحقيقية.
صانع السوق في الذهب لا يتبع نمطًا تقليديًا لتحليل السوق، بل يعتمد بشكل كبير على استغلال نفسية المتداولين. فبينما يتهيأ المتداول لصفقة مبنية على نمط فني واضح – سواء كان نموذج رأس وكتفين أو اختراق دعم ومقاومة – يُفاجأ بانعكاس حاد يُفعل أوامر وقف الخسارة على نطاق واسع، ليعود بعدها السعر إلى مساره السابق دون أن يترك فرصة للاستفادة. هذه الديناميكية المعقدة تُظهر بوضوح أن تحركات الذهب قد تكون خاضعة أحيانًا لأهداف تتجاوز التحليل التقليدي.
يُجيد صانع السوق خلق إشارات وهمية تتشابه مع النماذج الكلاسيكية المدروسة، ثم يجهضها عمدًا عبر فجوات سعرية أو حركات حادة خارج التوقعات، مستخدمًا أدوات مثل شموع الاختراق الكاذبة، مما يربك المتداولين على مختلف الأطر الزمنية. كما يمكنه تغيير مناطق الدعم والمقاومة التقليدية بحسب التكدسات التي يراها على دفتر الأوامر الداخلي في المنصة.
في منصات مثل ميتاتريدر (MetaTrader)، حيث لا تُنفّذ الصفقات فعليًا في السوق وإنما داخل النظام المغلق للوسيط، يصبح الميكر الطرف المقابل للصفقة، بل ويتحكم في ظروف التنفيذ، من تأخير زمني بسيط إلى تعديل هوامش السعر بشكل غير ملحوظ، وكل ذلك كفيل بتحويل صفقة رابحة إلى خسارة مؤكدة. لذلك يصبح فهم تحركات الذهب في هذا السياق أكثر تعقيدًا، ويتطلب من المتداولين وعيًا بسلوك المنصة وصانع السوق معًا.
كيف تتعامل مع تحركات الذهب في بيئة غير شفافة؟
أول خطوة للحماية تبدأ بفهم طبيعة هذه البيئات: السعر الذي يظهر أمامك ليس بالضرورة هو السعر الحقيقي للسوق، خاصة في أوقات التقلبات أو صدور الأخبار. لذلك، يُنصح بتجنب التداول خلال البيانات الاقتصادية المهمة، وتثبيت خطط وقف الخسارة في أماكن يصعب توقعها. كما أن الاعتماد على إشارات فنية فقط دون التأكد من تدفق السيولة أو تأكيدات أساسية يُعد مجازفة.
النجاة في سوق الذهب لا تعتمد فقط على التحليل، بل على إدراك أن السلوك السعري في بيئات معينة قد يكون انعكاسًا لسلوك الميكر، لا لتحركات العرض والطلب الحقيقية. التوازن بين الحذر، الصبر، والانضباط هو ما يسمح للمتداول بالخروج من “مصيدة الذهب” دون خسائر مفرطة، خاصة في ظل تقلبات تحركات الذهب اليومية التي قد تكون مضللة.
البنوك المركزية وتوقعات تحركات الذهب على المدى البعيد
كشفت بيانات مجلس الذهب العالمي عن استمرار البنوك المركزية في تعزيز احتياطاتها من الذهب خلال الربع الأول من عام 2025، لكن بوتيرة أقل مقارنة بالفترات السابقة. فقد بلغ إجمالي المشتريات نحو 76.2 طنًا، مقابل 88.4 طنًا في الربع الأخير من عام 2024، و98.6 طنًا في الربع الأول من نفس العام. وتُظهر الأرقام تراجعًا تدريجيًا في وتيرة الشراء، رغم استمرار الاتجاه العام نحو التراكم.
تصدرت بولندا المشهد خلال هذه الفترة بوضوح، بعدما أضافت 48.6 طنًا إلى احتياطاتها، في زيادة لافتة عن الفصول السابقة. وجاءت الصين في المركز الثاني بـ12.8 طنًا، تليها كازاخستان بـ6.5 طنًا، ثم جمهورية التشيك والهند. هذه القائمة تعكس تراجع مشاركة بعض الدول الأخرى التي كانت فاعلة سابقًا، مثل تركيا وسنغافورة، مما يعزز فرضية الحذر المتزايد في قرارات الشراء وسط تقلبات تحركات الذهب في الأسواق.
فيما يخص التوقعات المستقبلية، أظهر استطلاع أجرته وكالة بلومبرج أن المحللين يتوقعون أن يبلغ متوسط سعر الذهب خلال السنوات الأربع المقبلة حوالي 3007 دولارات للأونصة، مع إجماع على أن سعر الذهب لبقية عام 2025 سيكون عند مستويات 2984 دولارًا. كما تشير التقديرات إلى أن السعر قد يصل إلى 3420 دولارًا كحد أعلى، بينما من المرجح أن يلامس أدنى مستوياته عند حدود 2450 دولارًا. علمًا أن توقعات محللي بلومبرج لم تصب خلال العامين الماضيين.
تعزيزًا لهذا التوجه، افتتحت شركة بريدج ووتر أسوشيتس، التابعة للمستثمر الشهير راي داليو، مركزًا جديدًا في الذهب بقيمة 319 مليون دولار ضمن صندوق GLD، في خطوة تشير بوضوح إلى بدء بناء مراكز استراتيجية من قبل المؤسسات الكبرى. في الوقت نفسه، أظهرت بيانات السوق أن بنوكًا مثل ماكواري، وبنك أوف أمريكا دخلت السوق بشراء مباشر، حيث اشترى الأول 3 أطنان، بينما اشترى الثاني 6.25 طنًا، ويُرجّح أن تلك العمليات تمت خلال الجلسة الأوروبية عند مستويات بين 3120 و3150 دولارًا للأونصة.
رغم التباطؤ في الكميات، تبقى حركة البنوك المركزية والمؤسسات الاستثمارية الكبرى داعمة لاتجاه الذهب على المدى المتوسط إلى الطويل. لكن تزايد الحذر في التنفيذ يعكس رؤية أكثر تحفظًا، تأخذ بعين الاعتبار تقلبات الأسواق العالمية والمتغيرات الجيوسياسية والاقتصادية المستمرة، والتي تؤثر بشكل مباشر على تحركات الذهب العالمية. لا تنسى يمكنك التداول على الذهب وغيرها من السلع والمعادن والعملات مع أفضل شركات التداول الموثوقة والتي تحطى بدعم من إف إكس كوميشن افضل موقع فوركس كاش باك في العالم العربي.
التعليقات مغلقة.