تكثر التساؤلات حول الهدف من خفض الفائدة في تركيا خاصة مع إصرار الرئيس التركي الذي يسيطر بالفعل على السياسة المالية والنقدية في تركيا على مواصلة سياسة التحفيز النقدي على عكس ما تتبعه البنوك المركزية العالمية والتي تشدد السياسة المالية حيث تتوالى قرارات رفع أسعار الفائدة، الامر الذي اثار العديد من علامات الاستفهام، خاصة وسط البيانات التي تظهر توسع معاناة معدلات تضخّم في البلاد والتي سجلت مستويات قياسية، لم يشهدها المواطن التركي في اكثر من عشرين عام.الا ان الاصرار التركي على اتباع سياسة مالية تحفيزية بشكل مخالف لما هو معروف في كتب والنظريات الاقتصادية والمطبق بشكل فعلي من قبل اغلب البنوك المركزية الكبرى العالمية ابتداء من البنك الاحتياطي الفيدرالي، بنك انجلترا، المركزي الاوروبي، بنك أستراليا.
معركة خفض سعر الفائدة
خلال الاعوام السابقة شكل رفع سعر الفائدة خلافات بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وعدد من محافظي البنك المركزي التركي، حيث استخدام الرئيس التركي الأمر صلاحياته الدستورية في إقالة ثلاثة من محافظي البنوك المركزية بشكل متتالي، وذلك ضمن الحرب التي يخوضها الرئيس التركي ضد معدلات الفائدة المرتفة ومستويات التضخم كما سبق وأن أعلن أكثر من مرة.
وتجدر الإشارة ان صراع توجه الادارة التركية لخفض سعر الفائدة كان منذ عدة سنوات وتحديدًا منذ عام 2018 وهو ما يظهر انه فعل سابق لردود الفعل الحالية للأوضاع الاقتصادية العالمية في مرحلة ما بعد الجائحة. حيث بدأت تركيا في خفض معدلات الفائدة، الامر الذي اثر بالسلب على سعر الليرة مقابل العملات الرئيسية في حينها وجعلها من اكثر العملات خسارة بداية من 2018. وتواصلت التخفيضات بناء على رغبة الإدارة التركية في مواجهة النقد الحاد من قبل المستثمرين ومحللي الاقتصاد وحتى العديد من ممثلي البنوك المركزية الكبرى التي اتبعت سياسات تيسيرية تسببت فيما يعانيه العالم الآن.
سبق وان عبّر الرئيس التركي، عن أمله في أن تواصل لجنة السياسة النقدية في البنك المركزي التركي على العملة على خفض سعر الفائدة خلال اجتماع الشهر المقبل، حيث يهدف الرئيس التركي في الوصول بسعر إالفائدة لى خانة الآحاد بحلول نهاية 2023، قائلاً أن بلاده تعمل على رفع قيمة العملة التركية من خلال خفض أسعار الفائدة.
خفض البنك المركزي التركي سعر الفائدة خلال اجتماع شهر سبتمبر وأكتوبر الماضيين بنحو 100 نقطة أساس لكل اجتماع على نحو غير متوقع لينزل بها بها إلى 12%، وذلك على الرغم من ارتفاع التضخّم ليصل إلى مستويات 83.45% خلال شهر أغسطس/آب الماضي، ليصل إلى أعلى مستوياته منذ عام 1998. ارجع المركزي التركي قرار خفض سعر الفائدة إلى التباطؤ الاقتصادي المستمر، ويعتقد كثيرون أن التيسير النقدي يهدف خفض تكاليف الاقتراض لزيادة الصادرات والاستثمار.
الهدف من خفض الفائدة في تركيا
شحذ الاستثمار والنمو والصادرات،
مقارنة بالبنوك المركزية الاخرى، التي تتبع سياسات رفع سعر الفائدة كوسيلة لكبح جماح التضخم حول العالم، بل بدأ الكثير من التحذيرات حول العالم من التداعيات السلبية لتلك السياسة على مستويات النشاط الاقتصادي، ففي تصريحات لوكالة “بلومبرغ”، أكد الخبير الاقتصادي العالمي محمد العريان أن وقوع الاقتصاد في الولايات المتحدة تحت وطأة الركود التضخمي أمر حتمي، فهناك تباطؤ في النمو الاقتصادي بالتزامن مع تسارع في معدل التضخم. آراء الخبراء السابقة مجرّد أمثلة للعديد من الأراء التي تؤكد ذات التوجه، وتؤكد كذلك عمق نظرة الإدارة التركية بمخالفة العالم والتوجه نحو خفض الفائدة، وعملياً تجدر الإشارة إلى أن الحصاد التركي جراء عدم السير في التيار العالمي هي
- ارتفعت معدلات نمو الاقتصاد التركي حيث سجلت 7.5، 7.6 في المئة خلال الربعين الأول والثاني من العام الجاري.
- سجلت الصادرات طفرات بلغت 225 مليار دولار خلال 2021 ارتفاعاً عن 185 مليار دولار في عام 2020.
- تشير الأرقام حتى الآن إلى الاحتمالية الكبرى بتجاوزها حاجز 250 مليار دولار بنهاية العام الحالي
- تأمل الإدارة التركية بتحقيق 365 مليار دولار صادرات بنهاية العام القادم.
تمتلك الإدارة التركية رؤية رشيدة حول سياسة خفض سعر الفائدة، وقد أثبتت المعطيات العالمية عدم جدوى الرفع المتوالي في معالجة التضخم، بل وتأثيراته السلبية على مستويات النشاط الاقتصادي والاحتمالات المتصاعدة لتسببه في الركود، كما أثبتت المعطيات المحلية التركية جدوى خفض سعر الفائدة في شحذ الاستثمار والنمو والصادرات، وهو الأمر الذي يؤكد رشاد التوجه التركي لا سيما في ظلّ إقدام الدولة على الرفع المتوالي للحدّ الأدنى للأجور لمواجهة معدلات التضخم المتصاعد.
التعليقات مغلقة.