الزلازل والانتخابات التركية أبرز العناوين في تركيا اليوم، غيّرت الهزة الأرضية التي ضربت جنوب تركيا وشمال سوريا حياة ملايين الأشخاص إلى الأبد. بعدما امتدد موجات الصدمة على بعد مئات الأميال، والتي من المتوقع أن يكون لها تأثير سياسي عميق. ضرب الهزة الأرضية كل من تركيا وسوريا بفارق تسع ساعات وبلغت قوتها 7.8 و 7.5 درجة بمقياس ريختر. وهي الهزة الأقوى في المنطقة منذ ما يقرب من مائة عام.
الزلازل والانتخابات التركية
تجاوز عدد الضخايا حوالي 40 الف شخص في تركيا وحوالي 6 الاف شخص في سوريا، ولا يزال هناك عدد لا معلوم من الأشخاص في عداد المفقودين أو في حالة حرجة. وقالت منظمة الصحة العالمية إن 23 مليون شخص تضرروا جراء الكارثة. بعدما سقط ما لا يقل عن 6000 مبنى، لايزال بعض الأضخاص يصاعوا الموت تحتها حتى الأن. بينما لاتزال جهود الإنقاذ على رأس الأولويات، حيث يعمل حوالي 25000 شخص في تركيا وآلاف آخرين من دول أخرى للمساعدة. ومع ذلك، فإن عاصفة شتوية قاسية تعرقل حياة أولئك الذين نجوا والذين ما زالوا محاصرين تحت الأنقاض.
تعاني سوريا التي تعتبر الأقل استعدادًا للتعامل مع أزمة كهذه بعدما مزقتها الحرب الأهلية والإرهاب منذ 12 عامًا. بنيتها التحتية في حالة سيئة، كما تواصل العقوبات الغربية الضغط على البلاد. الآلاف من الأشخاص الذين يعيشون في المناطق المتضررة هم بالفعل لاجئون أو أشخاص انتقلوا داخل بلدهم.
يركز المحللون في المنطقة على الآثار طويلة المدى التي يمكن أن تحدثها على تركيا، الدولة التي تعاني بالفعل من مشاكل اقتصادية
عام حاسم في تركيا
سيكون هذا العام نقطة تحول بالنسبة لتركيا. في 14 مايو، ستصوت البلاد لرئيس جديد. سواء بقي رجب طيب أردوغان في السلطة أم لا، فإن له تأثيرات هائلة على سكان تركيا واقتصادها وعملتها ونظامها الديمقراطي. سيعتمد مستقبل أردوغان السياسي كثيرًا على كيفية رد فعله على الكارثة وما إذا كان يحاول معرفة سبب عدم تحمل الكثير من المباني لمثل هذه الهزات.
يتوقع المحللون انه في حال عدم معالجة جهود الإنقاذ بشكل جيد واثير غضب الناس، فستكون هناك ردود أفعال عنيفة. بجانب أزمة أقتصادية خانقة، دعا الرئيس التركي أردوغان إلى إجراء انتخابات في أوائل مايو، لمواجهة ارتفاع تكاليف المعيشة في جميع أنحاء البلاد. حيث تجاوز معدل التضخم في المنطقة الآن 57٪ خلال شهر يناير، منخفضًا من نسبة 85٪ المسجلة خلال شهر نوفمبر. القرار، تقديم موعد الانتخابات وفقًا لعدد من الخبراء ، يُظهر استماته أردوغان للبقاء في السلطة قبل أن تتضح عواقب سياساته الاقتصادية المثيرة للجدل.خاصة وأن الرئيس التركي عليه يبذل جهود كبيرة للحفاظ على استقرار العملة من الآن وحتى الانتخابات.
الليرة التركية والسياسة النقدية غير التقليدية
يتبى الرئيس التركي سياسة نقدية جديدة تقوم على خفض سعر الفائدة على الرغم من ارتفاع التضخم. بينما يتم دفع فائدة 13٪ للأتراك على حساباتهم المصرفية(المحمية)، وتعهد بتعويض خسائرهم إذا تراجعت العملة أكثر مقابل الدولار. كأمثلة على نهجه غير التقليدي. يتوقع الخبراء انهيار العملة التركية خاصة وأن السياسة النقدية الحالية قد لا تنجح على المدى الطويل. كما أن الوعود السابقة لأردوغان قبل الانتخابات، والتي تضمنت رفع الرواتب وتخفيض سن التقاعد، قد لا تكون ممكنة الآن، مع توجيه المزيد من المخصصات المالية لإعادة بناء مدن وبلدات بأكملها.
ساهم ارتفاع أسعار الطاقة العالمية ووباء كوفيد -19 والحرب في أوكرانيا في التدهور الاقتصادي لتركيا. لكن سياسات أردوغان الاقتصادية ، التي أبقت أسعار الفائدة منخفضة على الرغم من ارتفاع التضخم ، هي السبب الرئيسي وراء انخفاض الليرة التركية إلى مستوى قياسي مقابل الدولار. في السنوات القليلة الماضية، انخفضت احتياطيات تركيا من العملات الأجنبية بشكل حاد، ونما عجز الحساب الجاري في البلاد. كما خسرت الليرة التركية خلال 2023 ما يقرب من 30٪ من قيمتها مقابل الدولار. وقد أضر هذا بالقدرة الشرائية للمواطنين والتي اتبعها تراجع شعبية أردوغان، في عام حاسم من جانبها لم تختار أحزاب المعارضة في تركيا مرشحًا بعدما كان أكرم إمام أوغلو، رئيس بلدية إسطنبول، أقوى منافس محتمل، لكنه اعتقل ومُنع من ممارسة السياسة بعد حكم قضائي في ديسمبر الماضي بتهم يقول حلفاؤه إنها مختلقة وتستخدم فقط لمنعه من الترشح للرئاسة.
الجانب الإيجابي هو أن تركيا لديها حيز مالي جيد، حيث تبلغ نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي في تركيا حوالي 34٪، وهي نسبة منخفضة جدًا مقارنة بالولايات المتحدة وأوروبا. مما يتيح لتركيا مجال للإنفاق المالي، حتى لو ترتب على ذلك زيادة كبيرة في نسبة الدين العام.
الاستثمار في تركيا
على الرغم من سحب الكثير من المستثمرين أموالهم من تركيا على مدى السنوات القليلة الماضية، لا يزال خبير الأسواق الناشئة، مارك موبيوس من موبيوس كابيتال بارتنرز إل إل بي، متفائلاً على الرغم من كارثة الزلزال والمشاكل الاقتصادية. في هذا الصدد يقول موبيوس:
“الاستثمار في تركيا متاح، حيثنعتقد أنها مكان جيد للقيام بذلك.” “لدينا استثمارات هناك، على الرغم من المتاعب الاقتصادية. الأتراك قادرون على التكيف ويمتلكوا القدرة على التعامل مع كل هذه الكوارث والمشاكل لما يتميزو به من مرونه. حتى مع التضخم المرتفع والليرة التركية الضعيفة للغاية، تمكن الأتراك من النجاه.. لذا فإن الاستثمار في تركيا لا يخيفنا على الإطلاق “.
لقد طرح موبيوس المشكلة الواضحة المتمثلة في كيفية استعداد تركيا لزلزال، والذي قد يضر قريبًا بفرص أردوغان في انتخابه. وقال “هذه واحدة من المشاكل الكبرى: قوانين البناء في بعض هذه المناطق ليست على قدم المساواة”.
دور الناتو القوي في العالم ودور تركيا المهم فيه
على الصعيد السياسي، ارسل الحلفاء الغربيون والدول من جميع أنحاء العالم فرق المساعدات والإنقاذ للمساعدة في جهود الإغاثة في حالات الكوارث التي تبذلها تركيا. ستحتاج أنقرة إلى إطلاق إنفاق عام ضخم لدعم المحتاجين وإعادة بناء جميع المناطق المتضررة من الزلازل. بما يتيح لتركيا الحصول على بعض الراحة من الضغط الغربي على موقفها من حلف الناتو في أعقاب الزلازل، ولكن ليس لفترة طويلة. خاصة وأن تركيا هي العضو الوحيد في الناتو الذي لا يزال يمنع السويد وفنلندا من الانضمام إلى تحالف الدفاع القوي. كما تتوسط أنقرة في مبادرة حبوب البحر الأسود بين أوكرانيا وروسيا، والتي تسمح بتصدير الإمدادات الحيوية من الحبوب من أوكرانيا إلى بقية العالم على الرغم من الحصار البحري الروسي على موانئ أوكرانيا على البحر الأسود. لأن أردوغان هو وسيط بين أوكرانيا وروسيا، فإن مستقبل تركيا له تأثير على الحرب في أوكرانيا.
التعليقات مغلقة.