أجبرت التوترات العالمية العديد من الدول في تبني فكرة التخلي عن الدولار الأمريكي كرد فعل على السياسات العدوانية لبعض الادرات الامريكية. نتيجة العقوبات الاقتصادية والصراعات التجارية التي أثارتها واشنطن مؤخرا ضد بعض البلدان إلي السعي بجدية لإيجاد أنظمة دفع جديد وبديلة لتلك التي يهيمن عليها الدولار الأمريكي حاليًا .
الدولرة والبترو دولار
فكرة التخلص من آلية “الدولرة” والتي تعني استخدام الدولار كمعيار عالمي لتداول النفط وجميع السلع المهمة الأخري بالدولار الأمريكي فقط. ولعل تلك الآلية معروفة جيدا وعلى نطاق واسع بمصطلح “البترودولار” أو ما يسمي “بالدولار النفطي”. والذي انبثق من اتفاقية غير رسمية توصلت إليها الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية في منتصف السبعينيات. نتج عنها تداول النفط، وبالتالي جميع السلع المهمة الأخرى، بالدولار الأمريكي فقط ولا شئ غيره.
ومن حينها وحتي يومنا هذا، ويقوم منتجو النفط بإعادة تدوير تلك الدولارات النفطية إلى سندات الخزانة الأمريكية وهكذا مكن هذا التدفق الدائري للدولار الأمريكي الولايات المتحدة من تكديس جبل شاهق من الديون يقدر بنحو 20 تريليون دولارا أمريكيا دون الحاجة إلى القلق بشأن استقرارها المالي.
تابع ايضا : هل يمكن للعقوبات التجارية الأمريكية أن تسرع من انهيار الدولار كعملة عالمية رئيسية
واقعيWا وفي الوقت الحاضر، لا يمكن لأي للاقتصاد الدولي أو العالمي أن يتخلى بالكامل عن الدولار لسبب بسيط ألا وهو أن الدولار يهيمن تمامًا وبقوة على الاقتصاديات الدولية.
- يشكل الدولار نحو 70% من الاحتياطيات الرسمية الحالية من النقد الأجنبي لجميع المعاملات التجارية العالمية.
- يشكل اليورو نحو 20 ٪ فقط من تلك المعاملات .
- تنقسم النسبة المتبقية بين بقية العملات الآسيوية، وخاصة اليوان الصيني.
وذلك ما يفسر الارتفاع الكبير لقيمة الدولار الأمريكي مقارنة بجميع العملات الأخرى، ولهذا السبب أيضا يتلقي المستهلكون في الولايات المتحدة بضائع مستوردة بأسعار منخفضة للغاية. فالدولرة تدر للولايات المتحدة ربحًا ماليًا كبيرًا، فمع تزايد الطلب المتواتر على الدولار الأمريكي، ليس أمام العالم سوي السماح للحكومة الأمريكية بإعادة تمويل ديونها بأسعار فائدة منخفضة للغاية.
ولكن تري هل سيبقي العالم بهيكله المالي الدولي مستكينا وراضيا بنظام الدولرة ؟ أم سيتغير هذا الهيكل المالي الدولي تغيرا جذريا خلال العقد المقبل؟
استنبط الكثير من الخبراء من أن السياسات الخارجية العدوانية التي اتبعتها الولايات المتحدة الأمريكية مع العديد من الدول سيؤدي حتما لبدء إطلاق عملية إزالة الدولرة في العالم.
- فرض العقوبات .
- سن تشريعات لتنظيم واستبدال الواردات .
- رفع التعريفات الجمركية وتخفيض حجم الواردات.
شهدت 2018 احداث مليئة بالتوترات والعقوبات الاقتصادية الأمريكية التي قسمت الخريطة الجغرافية السياسية العالمية إلى فريقين:
- أولئك الذين ما زالوا يدعمون الدولرة والتي تؤيد استخدام العملة الأمريكية كأداة مالية عالمية .
- أولئك الذين يديرون ظهورهم للدولار ويتجهون نحو إزالة الدولرة .
شرعت دول في أوروبا وآسيا والشرق الأوسط في اتخاذ خطوات فعلية نحو القضاء على اعتمادها على الدولار
- عن طريق خلق أنظمة تسوية بديلة والتحويل لعملات الاحتياطية أخري.
- تنفيذ برامج جادة وفعليه لاستبعاد العملة الأمريكية من معاملاتها التجارية الدولية.
- اتخاذ القرارات المالية المناسبة على المستوى الفيدرالي في الصين وإيران وتركيا وروسيا.
التخلي عن الدولار الأمريكي .. ريادة صينية فى التخلي عن الدولار
لا عجب في أن تكون الصين من أشهر تلك البلدان الداعمة للمبادرة العالمية لمكافحة الدولار وإزالة الدولرة. ففي الأشهر الأخيرة فقط باعت الصين كمية كبيرة من سنداتها وهي اكبر دولة فى العالم من حيث امتلاك السندات الامريكية .
الصين وكندا
وقعت الصين اتفاقيات مع كندا بشأن تبادل العملات الوطنية ليتم استخدام عملة البلاد المحلية في التجارة و في تنفيذ الاستثمارات بينهم، الأمر الذي جعل كندا أول مركز خارجي لليوان في أمريكا الشمالية. الامر الذي ضاعف التجارة بين البلدين حتى ثلاثة أضعاف التجارة لتصل حجم مبادلات العملة بينهما إلي ما يقرب من 200 مليار يوان أي ما يعادل حوالي 30 مليار دولار أمريكي.
الصين وقطر
كما وقعت الصين اتفاقية مماثلة مع قطر بشأن مقايضة العملتين المحلتين للبلدين مباشرة بما يعادل 5.7 مليار دولار. الأمر الذي وجه ضربة قاسية للدولار النفطي من اليوان والذي اصبح يحلق في أسواق الشرق الأوسط كعملة بديلة. وليس من المستبعد أن توقع العديد من دول الأوبك الأخرى اتفاقيات مماثلة مع الصين. حيث أن الدول المنتجة للنفط في منطقة الشرق الأوسط ليس لديها ثقة تذكر بالدولار الأمريكي بسبب تصدير التضخم.
عقود النفط الصينية
وعلي صعيد متزامن، اطلقت الصين عقود آجل للنفط الخام مقومًا باليوان الصيني وقابل للتحويل إلى ذهب. وكون الصين أكبر مستورد للنفط في العالم، فإن تنفيذ هذه الخطوة سيشكل ضربة أخري قوية التأثير والأثر علي الدولار الأمريكي علي المستوي العالمي.
الصين وايران
ومن ناحية أخري، لعب الاتفاق النقدي الثنائي بين الصين وإيران. دورا هام في زيادة حجم التجارة بين البلدين بنسبة 22 % خلال عام 2017 مقارنة بعام 2016، لتصل لما يقدر بقيمة 30.5 مليار دولار. شهدت واردات الصين من النفط الخام إيراني ارتفاعا. والجدير بالذكر، إن إيران تمتلك رابع أكبر احتياطي للنفط الخام في العالم أي ما يمثل ما يقرب من 10٪ من احتياطيات النفط الخام بالعالم.
ايران تتحول الى اليورو
وفي خطوة حاسمة، تخلت طهران في ابريل عام 2018 عن العملة الأمريكية تماما وحولت جميع مدفوعاتها الدولية إلى اليورو. كما إنها تسعى في كل صوب وحدب لإزالة الدولرة من كافة تعاملتها التجارية، وذلك عن طريق توقيع اتفاقيات تبادل العملات مع عدد قليل من الدول المستهدفة.
روسيا تتخلى عن الدولار وتتحول الى الذهب
وأخيرا، نجد أن الدب الروسي هو الأخر يسير بخطي جادة وفعالة من أجل إزالة الدولرة وخاصة في ظل مجموعة العقوبات الجديدة التي تفرضها الولايات المتحدة ضدها والتي ستحول لتجميد أصول سبعة بنوك ومن ثم تجميد كافة مدفوعاتهم من الدولار الأمريكي.
- فلقد افتتح البنك المركزي الروسي أول مكتب له في بكين خلال مارس الماضي
- واقترب من إصدار سندات حكومية باليوان الصيني.
- استبعاد الدولار الأمريكي من تسوية التجارة الثنائية بينما واستبداله بالروبل الروسي واليوان الصيني.
خلال 2019، حولت روسيا حوالي 100 مليار دولار إلى الين الياباني واليوان الصيني واليورو ، مما خفض احتياطياتها من الدولار من 46 ٪ إلى 22 ٪.
الهند توقع صفقة اس -400 مع روسيا بالروبل وليس بالدولار
من جهه اخرى وقعت الهند صفقة اسلحة ( أنظمة الصواريخ الدفاعية S-400 )مع روسيا بالروبل وليس بالدولار . ووقع الاتفاق بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي خلال زيارة الرئيس الرسمية للهند خرل اكتوبر 2018.
كانت روسيا والهند قد أعلنتا في وقت سابق أنهما وقفا العقد بقيمة 5.4 مليار دولار خلال زيارة الرئيس فلاديمير بوتين إلى نيودلهي. من المقرر أن تبدأ روسيا في تسليم منظومة إس -400 (S-400) إلى الهند في أكتوبر 2020.
أعلن بوريسوف في سبتمبر أن موسكو ونيودلهي تخططان لاستخدام عملاتهما الوطنية في المعاملات المستقبلية بدلاً من الدولار الأمريكي. في وقت سابق، أفيد بأن مجلس الاستحواذ الدفاعي الهندي وافق على الشراء، على الرغم من التهديدات بفرض عقوبات من الولايات المتحدة.
روسيا لا تزال أول مزود للأسلحة للهند وتسعى للحفاظ على موقعها في وقت تنفذ الهند خطط بقيمة 100 مليار دولار .
ثلاثة أسباب من الممكن أن تجعل العالم يدير ظهره للدولار الامريكي
كما قال جون هاردي رئيس استراتيجية العملات الأجنبية في ساكسو بنك خلصت الى أن العملة الأمريكية اختلت بشكل متزايد وكانت هناك حاجة ماسه لاستبدالها. وذلك في نشرة فصلية بعنوان
“العالم يدير ظهره إلى الدولار الجبار“
حيث أبرز محلل العملات القضايا الجيوسياسية الثلاث التي تفرض حاليا ضغوطاُ على وضع الدولار:
- تعملق للدولة الصينية التي تتطلع لدور أكثر بروزا في التجارة العالمية والأسواق المالية .
- النظام الكوري الشمالي الذي يسعى جاهداً للحفاظ على حقه في القوة النووية، وكيف يؤثر ذلك على الصين والولايات المتحدة.
- أيضا كيف تتعامل اليابان مع هذا التهديد من حيث السياسة الداخلية والخارجية .
- تراجع قوة التحالف بين الولايات المتحدة وأوروبا عبر المحيط الأطلسي بسبب سياسات ترامب .
إزالة الدولرة
النفط المقوم باليوان
وذكر هاردي أن ضعف او “إزالة الدولار” من الممكن أن يبدأ من الصين حيث أن البلاد تتطلع إلى تشجيع الطلب على اليوان. وقال ان الصين تتطلع الى فوائد قيام عملتها الخاصة بدور اكبر واستبدال دور الولايات المتحدة فى التجارة العالمية. واضاف ان التركيز الاول ينصب على تجارة النفط العالمية حيث اعلن نية شراء النفط باليوان والسماح للشركاء التجاريين بتسوية اليوان بالذهب.
تعد الصين أكبر مستورد للنفط الخام في العالم، وتوقع المحلل أن الحفاظ على عملة مستقرة أثناء شراء النفط باليوان سيكون الخطوات الأولى لزيادة الطلب العالمي على العملة.
“روسيا وايران التي تعاني منذ فترة طويلة من العقوبات المالية والتجارية الاميركية ستكونا مشاركتين بالتأكيد بكل سعادة في هذا المخطط ويمكن أن يكونوا تكتل قوي أمام الولايات المتحدة وحلفائها. سيكون الاختبار الاكبر من دول حليفة مثل السعودية ستكون مستعدة للمخاطرة من خلال الموافقة على الحصول على اليوان مقابل نفطها .
أما بخصوص السببين الاخرين المتعلقين باليابان وأوروبا فقال المحلل انهم سيسعوا الى تقليل الاعتماد على الدولار الامريكى مع التحول بشكل متزايد الى السياسة المالية لحل القضايا الداخلية. لكل هذا الدولار ولأسباب مختلفة ستجد امريكا صعوبة في إيجاد التمويل اللازم لسد العجز لان بقية دول العالم لديها جدول اعمال خاص بها “.
الملخص
كل ما ذكر أعلاه يتضح جليا حقيقة الاتجاه العالمي لإزالة الدولرة من الاقتصادات الوطنية وإضعاف هيمنة الدولار الأمريكي رويدا رويدا حتي القضاء عليها تمام. ليفقد الدولار مركزه كعملة احتياطية عالمية ويُفسح المجال بالمستقبل غير البعيد للعملات المشفرة أو لعملات محلية أخري مثل اليوان الصيني!
المصدر: medium
التعليقات مغلقة.