على الرغم من قيام الكثير من مؤسسات القطاعات المختلفة بإجراء العديد من الأبحاث والتجارب حول إمكانية استخدام وكفاءة تطبيق تقنية البلوكتشين “blockchain ”منذ عدة سنوات.
حاليا هناك القليل من تلك المؤسسات التي تفصح عن ذلك خوفا من إثارة القلق والريبة حول مدي ثباتها وإحكام عملياتها.
وعلى الرغم من أن البنوك المركزية تعد من أكثر المؤسسات حذرًا وحكمة في العالم، إلا أن المنتدى الاقتصادي العالمي أًصدر تقريرا معتمدا جديدًا يشير إلى أن البنوك المركزية وعلي عكس المتوقع كانت من أوائل المؤسسات التي سعت لتطبيق تقنية البلوكشين.
ولعل أنشطة البنك المركزي التي قد تعتمد علي تقنية البوكشين وتكنولوجيا دفتر الأستاذ الموزع (DLT) ليست معروفة أو واضحة تماما بالنسبة للكثيرين. ولذلك، نجد أن هناك العديد من التكهنات السلبية وسوء الفهم الخاطئ حولها.
وإنطلاقا من الدور الدقيق الذي تلعبه البنوك المركزية في الإشراف على السياسة النقدية للدولة و المحافظة علي الاستقرار المالي والاقتصادي للبلاد، فلابد أن تبذل تلك المؤسسات غاية حرصها عند تطبيق أي تكنولوجيا لم تثبت جدارتها أو أداة قد تكون سلبية العواقف.
ولكن ذلك الحرص لا يتنافي مع سعي العشرات من البنوك حول العالم من السويد لجنوب إفريقيا لسنغافورة، لاستكشاف استخدامات إمكانات تلك التكنولوجيا في حل المشكلات التي تواجه مجال الخدمات المصرفية حاليا، مثل المشاكل المرتبطة كفاءة نظام الدفع والخصوصية والآمان والمرونة، وتحديات الشمول المالي، ولكن بطريقة آمنة ومنظمة ومحكمة بذات الوقت.
وإليك أهم عشرة أنشطة وطرق شرعت البنوك المركزية حول العالم لبحث وتجريب البلوكتشين من خلالها:
أنشطة تستخدمها البنوك المركزية في تجربة البلوكتشين
-
العملة الرقمية للبنك المركزي بالتجزئة
وهي عملة رقمية يصدرها البنك المركزي ليتم تشغيلها وتسويتها بطريقة الند للند اللامركزية أي بدون الحاجة لوسيط.
والتي تكون متاحة للبيع ولتعاملات جمهور العملاء، بحيث يمكنهم استبدالها بعملاتهم المحلية الورقية واستخدامها علي نطاق واسع.
ومن المفترض أن تكون تلك العملات الرقمية المركزية مكملة أو بديلة للنظام النقدي المادي وكذلك بديل للودائع المصرفية التقليدية.
وبالفعل شرعت البنوك المركزية في العديد من البلدان بتجربتها، بما في ذلك بنوك :
- شرق الكاريبي .
- السويد .
- جزر البهاما .
- كمبوديا.
-
العملة الرقمية للبنك المركزي بالجملة
وهي أيضا عملة رقمية يصدرها البنك المركزي ليتم تشغيلها وتسويتها بطريقة الند للند اللامركزية أي بدون وسيط كسابقتها، إلا أنها ستخصص للبنوك التجارية ودور المقاصة فقط ، وذلك للاستخدامها بسوق الجملة بين البنوك.
و تعد البنوك المركزية ب
- جنوب إفريقيا .
- كندا .
- اليابان .
- تايلاند والسعودية .
- سنغافورة .
- كمبوديا
من أبرز البنوك المركزية التي تبحث في هذا الصدد.
-
تسوية الأوراق المالية بين البنوك
والذي يمثل نظام مقاصة وتسوية يعمل وفقا لتطبيق يركز علي العملات الرقمية القائمة علي تقنية البلوكتشين، بما ذلك العملة الرقمية للبنك المركزي سواء بالتجزئة أو بالجملة.
ويهدف هذا التطبيق لتطوير أنظمة التسليم مقابل الدفع بين البنوك مما يتيح المقاصة السريعة بين البنوك والتسوية اللحظية للأوراق المالية بالنقد. حيث يتبادل الطرفين الأصل مقابل النقود أنيا لحظة تنفيذ العملية .
لقد شرعت بالفعل بعض البنوك المركزية باسكتشاف كفاءة هذا النظام وعلي رأسها بنك اليابان وهيئة النقد بسنغافورة وبنك إنجلترا وبنك كندا.
-
مرونة نظام الدفع والطوارئ :
من المقترح أن يوفر استخدام دفتر الاستاذ الموزع في نظام الدفع والتسوية المحلي الاساسي أو احتياطي بين البنوك الأمان ويضمن الاستمرارية في ظل تهديدات الأعطال الفنية أو تعثر الشبكات، والكوارث الطبيعية، والجرائم الإلكترونية وغيرها من التهديدات.
وغالبًا ما يقترن استخدام وتنفيذ طريقة دفتر الاستاذ الموزع بالأطراف ذانت الصلة والذي يعد من أهم فوائد استخدام دفتر الاستاذ الموزع.
ويذكر هنا
- البنك المركزي البرازيلي.
- المصرف المركزي لشرق الكاريبي
كالبنوك المركزية التي تبحث في كفاءة وفوائد تطبيق تلك الطريقة.
-
إصدار و إدارة السندات:
إن استخدام دفتر الاستاذ الموزع أيضا خلال المزاد الحكومي للسندات أو خلال عملية إصدار السندات أوغيرها من العمليات اللازمة علي مدار عمر السندات يؤدي لخفض التكاليف وزيادة الكفاءة.
حيث يمكن تطبيق هذا الاستخدام لإدارة السندات التي تصدرها وتديرها دول ذات سيادة أو منظمات دولية أو جهات حكومية.
حيث يتمثل دور البنوك المركزية أو الجهات التنظيمية الحكومية في هذه الحالة لمجرد “نقاط مراقبة” تراقب نزاهة العمليات عند الاقتضاء. ويعد البنك الدولي أول من أصدر سند قائم على تكنولجيا البلوكتشين في أغسطس 2018، وأطلق عليه اسم “bond-i” .
-
نظام اعرف عميلك ونظام مكافحة غسيل الأموال الرقميين:
يستفيد نظامي أعرف عميلك ومكافحة غسيل الأمول الرقمي من استخدام تقنية دفتر الاستاذ الموزع لتتبع ومشاركة هوية العميل ومعلومات الدفع بشكل مبسط ويسير.
حيث إنه من الممكن ربط هذا الحل الرقمي بقاعدة بيانات الهوية الوطنية الرقمية أو بتوصيله بأنظمة أعرف عميلك ومكافحة غسيل الأمول القائمة.
كما إنه يمكن إقترانه بالعملات الرقمية للبنوك المركزية كجزء من عملية المدفوعات ولتتبع النشاط المالي.
وهذا ما تبحث فيه هيئة النقد بهونج كونج حاليا.
-
أنظمة تبادل المعلومات والبيانات
يمكن استخدام قواعد البيانات الموزعة أو اللامركزية لإنشاء أنظمة بديلة لتبادل المعلومات والبيانات داخل او بين مؤسسات القطاعين الحكومي والخاص ذات الصلة.
ويبحث البنك المركزي البرازيلي في كفاءة هذه الطريقة أيضا بجانب بحثه في الطرق الأخري التي سبق الإشارة إليها.
-
التمويل التجاري
أطلقت هيئة النقد بهونج كونج العام الماضي منصة للتمويل التجاري تعتمد علي قاعدة بيانات وتشغيل لامركزيين كتجربة رائدة تهدف لتمويل تجاري أسرع وأكثر كفاءة وأوسع شمولاً.
حيث تتم مشاركة معلومات العملاء وتاريخ المعاملات بين المشاركين في قاعدة بيانات لامركزية، تُعرض فقط للأطراف المعنية مع الحفاظ على الخصوصية والسرية.
ومن المفترض أن تحسن تلك المنصة من عمليات التمويل التجاري الحالية والتي غالبًا ما تتطلب عملاً مكثفًا ووقتا مطولا وقائمة طويلة من الأوراق.
-
سلسلة إمداد النقدية
ومن جانب أخري، يبحث البنك المركزي الكاريبي الشرقي في إمكانية استخدام دفتر الاستاذ الموزع لإصدار وتتبع وإدارة تسليم وحركة النقدية من مرافق الإنتاج مرورا بالبنك المركزي ووصولا لفروع البنك التجارية.
وذلك لتسهيل وتحسين كفاءة عملية طلب الأموال أو إيداعها أو نقلها، وكذلك لتبسيط عملية رفع التقارير الرقابية.
-
توفير محدد لدرجة الإئتمان SEPA للعميل (SCI):
حيث تتيح المشاركة اللامركزية الموحدة والقائمة علي تقنية البلوكتشين تعريف محددات ائتمان منطقة الدفع الأوروبية الموحدة (SEPA)، والتي يديرها البنك المركزي والبنوك التجارية في نظام منح القروض الخاص بتلك المنطقة بشكل أسرع وأكثر بساطة، وتوفير نظام لامركزي يحدد الهوية ويشاركها.
ومن المفترض أن يحل هذا النظام العمليات اليدوية والمركزية الحالية والتي تتطلب الكثير من الوقت والموارد. وقد تم تنفيذ هذا بالفعل خلال مشروع مادري التابع لبنك فرنسا.
والآن بعد استعراض أهم الانشطة والطرق التي تسعي البنوك المركزية حول للاستفادة من كفائتها وتلافي قصورها.
نجد حالات نادرة مثل حالة بنك فرنسا، حيث قام البنك المركزي الفرنسي بنشر مستند يشير لتطبيق دفتر الاستاذ الموزع DLT بنجاح.
بينما نجد حالات أخرى ، خلصت البنوك المركزية من خلالها إلى أن تكنولوجيا البلوكتشين لا توفر فرصًا قيمة لاقتصاداتها عند النظر في المخاطر والعيوب السلبية المقترنة بها.
ولعلنا لاحظنا، أنه هناك بعض الطرق التي يبحث بشأنها حاليا بنك مركزي واحد فقط.
الأمر الذي يثير الجدل ولا يحسم الأمر، فنتائج البحث والتطبيق والخبرة تختلف اختلافا جوهريا من بلد لأخر. لذلك يتعين على العديد من الباحثين في انشطة البنك المركزي أن يعكفوا لاستناج ما إذا كان بإمكان تقنية دفتر الاستاذ الموزع DLT توفير قيمة مضافة تفوق المخاطر وأوجه القصور المرتبطة بتطبيقها .
وأخيرا، من المتوقع علي مدار السنوات الأربع القادمة أن تحسم العديد من البنوك المركزية امرها فيما يتعلق بإستخدام تقنية البلوكتشين ودفترالأستاذ الموزع لتحسين عملياتها وزيادة رفاهيتها الاقتصادية.
وذلك بعد مراعاة جميع المخاطر المعروفة أو التي لا تزال غير المعروفة والمرتبطة بتطبيقهما بعناية فائقة نظرا لعدم النضج النسبي للتكنولوجيا البلوكتشين مقارنةً بالأهمية الإستراتيجية لعمليات البنوك المركزية.
التعليقات مغلقة.