أسعار الذهب تواصل التراجع من أعلى مستوى في 5 أسابيع
أسعار الذهب اليوم سدلت تراجعًا حادًا لتوسع خسائرها منذ منتصف يوم أمس الأربعاء، متأثرة بعمليات جني أرباح بعد أن لامس المعدن النفيس أعلى مستوياته في خمسة أسابيع خلال الليل. يأتي هذا التراجع في وقت يشهد فيه السوق تحسنًا ملحوظًا في شهية المخاطرة، ما قلص من جاذبية الملاذات الآمنة وعلى رأسها الذهب. بينما يشير الاتجاه العام إلى استمرار الصعود على الرغم من التصحيح الهابط الحالي.
أسعار الذهب اليوم
قاد هذا التحول في معنويات السوق إلى إعلان الولايات المتحدة واليابان، في وقت متأخر من مساء الثلاثاء، توصلهما إلى اتفاق تجاري وصفه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأنه “الأكبر على الإطلاق”. ويتضمن الاتفاق فرض رسوم جمركية بنسبة 15% على واردات السيارات اليابانية إلى الولايات المتحدة، في المقابل، ستقوم اليابان بإنشاء صندوق استثماري بقيمة 550 مليار دولار للاستثمار في السوق الأمريكية.
تصاعد الانقسامات داخل الفيدرالي وضغوط ترامب السياسية
خلال الشهرالجاري، شهدت أسعار الذهب دعمًا قويًا مدفوعًا بتصريحات حذرة من داخل مجلس الاحتياطي الفيدرالي، حيث باتت التكهنات تتزايد بشأن احتمال صعود كريستوفر والر، العضو البارز في الفيدرالي، لخلافة جيروم باول في رئاسة المجلس. وفي هذا السياق، أكدت ثو لان نغوين، رئيسة أبحاث السلع والعملات في “كومرتس بنك”، أن الذهب بات على وشك اختبار أعلى مستوى تاريخي له عند 3500 دولار للأوقية، والذي سُجِّل في إبريل الماضي.
وجاءت هذه التوقعات بعد أن جدد والر دعوته لتخفيض الفائدة، مشيرًا إلى أن المستوى المحايد للفائدة يجب أن يتراوح بين 3% و3.25%، مما يتطلب خفضًا إجماليًا يتراوح بين 125 و150 نقطة أساس. استند والر في موقفه إلى بيانات التضخم الأخيرة التي وصفها بأنها معتدلة رغم تطبيق الرسوم الجمركية الأمريكية. ورغم أن هذه التصريحات لا تعني بالضرورة تحركًا وشيكًا في اجتماع الفيدرالي الأسبوع المقبل، فإنها تعكس تحولًا سياسيًا داخليًا قد يكون له أبعاد مستقبلية.
في السياق نفسه، يرى مراقبون أن تصريحات والر قد تعزز حظوظه في تولي رئاسة الفيدرالي العام المقبل، خاصة مع تكرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لهجماته الشخصية على جيروم باول، ونعته بأوصاف لاذعة مثل “الغبي” و”الأحمق”، مع مطالبته العلنية بخفض الفائدة بنحو 3% لتصل إلى نطاق يتراوح بين 1.25% و1.50%.
تصاعد هذه الانقسامات أثار مخاوف جدية في الأسواق بشأن استقلالية الفيدرالي. خاصة وأن استقلالية الفيدرالي تعتبر احدى عناصر قوته الخارقة. حيث تتصاعد التحذيرات من فقدان هذه الميزة الأمر الذي قد يهدد قدرة البنك الفيدرالي على دعم الأسواق المضطربة، ويقوّض الثقة التي بُني عليها نظام التيسير الكمي لعقود. كذلك قد تدفع ضغوط سياسية على الفيدرالي قد تدفع المستثمرين الدوليين للبحث عن بدائل للدولار، ما يُعزز من جاذبية الذهب كأصل آمن.
وذلك في ظل سعي إدارة ترامب تسعى بشكل واضح لإضعاف استقلالية السياسة النقدية سواء عبر الضغط المباشر أو من خلال تعيين خليفة موالٍ لترامب العام المقبل، وهو ما من شأنه أن يُبقي حالة القلق قائمة لدى المستثمرين العالميين ويزيد من تدفقات الملاذات الآمنة.
تسارع وتيرة الشراء من المركزي البولندي وصندوق أذربيجان للنفط
في نفس إطار تعدد العوامل الداعمة لصعود الذهب، يواصل الذهب تأكيد مكانته كمحور استراتيجي في السياسة المالية العالمية، ليس فقط بالنسبة للبنوك المركزية، بل لصناديق الثروات السيادية التي تبحث عن أدوات فعالة للتحوط من المخاطر وحماية القيمة. في هذا السياق، كشفت تقارير أن صندوق النفط الحكومي لجمهورية أذربيجان (SOFAZ) اشترى خلال الربع الثاني من العام نحو 16 طنًا من الذهب.
بذلك، يرتفع إجمالي مشتريات الصندوق خلال النصف الأول من 2025 إلى 35 طنًا، لتصل حيازاته من الذهب إلى 181 طنًا، أي ما يعادل نحو 29% من إجمالي محفظته الاستثمارية، وهو الحد الأقصى المسموح به وفقًا لسياسات الاستثمار الخاصة بالصندوق. وتُعد وتيرة شراء صندوق النفط الحكومي واحدة من الأعلى هذا العام، متجاوزة حتى معظم البنوك المركزية من حيث الكمية والسرعة، باستثناء بنك بولندا المركزي الذي عزز احتياطياته بـ 67.2 طنًا حتى نهاية مايو.
وفي المقابل، حافظ بنك الشعب الصيني على وتيرة شراء متواصلة للذهب على مدى تسعة أشهر متتالية، لكن إجمالي مشترياته في النصف الأول لم يتجاوز 16.9 طنًا. ومن أبرز المشترين الآخرين خلال الفترة ذاتها: البنك المركزي التركي الذي أضاف 14.9 طنًا، وكازاخستان بـ 14.7 طنًا، والبنك المركزي التشيكي بـ 9.2 طنًا، إلى جانب بنك الاحتياطي الهندي الذي زاد حيازته بنحو 3.42 طنًا.
ويرى محللون أن هذا الطلب القوي والمستمر من القطاع الرسمي يشكل دعامة صلبة لأسعار الذهب، ويسهم في الحفاظ على استقراره فوق مستوى 3,000 دولار للأوقية في ظل التقلبات الاقتصادية العالمية. وتشير التقديرات إلى أن البنوك المركزية قد تواصل شراء نحو 1,000 طن من الذهب هذا العام، وهو مستوى تم تسجيله خلال السنوات الثلاث الماضية.
وتدعم هذه التوجهات بيانات صدرت مؤخرًا عن مجلس الذهب العالمي، حيث أظهرت نتائج “استطلاع الذهب السنوي للبنوك المركزية” في يونيو أن 95% من المشاركين يتوقعون زيادة الاحتياطيات العالمية من الذهب خلال الـ12 شهرًا القادمة، كما أعرب 43% من مديري احتياطي البنوك المركزية عن نيتهم في رفع حيازاتهم الرسمية من الذهب خلال العام، مقارنة بـ29% فقط في استطلاع العام السابق.
وبموازاة ذلك، أشار تقرير آخر صادر عن منتدى المؤسسات النقدية والمالية الرسمية (OMFIF) في يونيو، إلى أن 32% من البنوك المركزية تخطط لزيادة تعرضها للذهب خلال فترة تتراوح بين 12 إلى 24 شهرًا، وهو أعلى مستوى من القناعة يُسجل منذ خمس سنوات.
بورصة دبي للذهب تسجل نموًا قياسيًا
في غضون ذلك، رغم استمرار هيمنة الطلب الاستثماري في أمريكا الشمالية على أسواق الذهب، يواصل المعدن النفيس ترسيخ مكانته كأصل نقدي عالمي ووسيلة تحوط استراتيجية في مواجهة المخاطر الاقتصادية المتصاعدة. وفي هذا السياق، أعلنت بورصة دبي للذهب والسلع (DGCX)، وهي أكبر سوق رقمية في الشرق الأوسط، عن تداول أكثر من مليون عقد حتى نهاية يونيو 2025، ما يمثل ارتفاعًا بنسبة 30% في متوسط أحجام التداول اليومية مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
وسجّل عقد الذهب الفوري في البورصة نموًا لافتًا في القيمة تجاوز 200% مقارنة بنهاية النصف الأول من 2024. لكن نجم الأداء كان العقد الفوري المتوافق مع الشريعة الإسلامية (DGSG)، والذي قفزت قيمة تداولاته إلى نحو 46.8 مليون دولار في النصف الأول من العام الجاري، مقارنة بـ15.6 مليون دولار فقط خلال الفترة ذاتها من العام السابق.
أكد أحمد بن سليم، الرئيس التنفيذي ورئيس مجلس إدارة بورصة DGCX، أن هذه الأرقام تعكس الزخم الاستثنائي الذي شهده السوق منذ بداية العام، مشيرًا إلى أن الأداء القوي يدفع البورصة لتجاوز نتائجها المسجلة في 2024، ويعزز من مكانتها كمكون حيوي في البنية المالية لمنطقة الشرق الأوسط.
وأضاف بن سليم أن الطلب المتزايد من المستثمرين المتوافقين مع الشريعة، وتجار السبائك، والمشاركين المؤسسيين، يعكس الحاجة المتنامية لأدوات تحوط متقدمة وآمنة وشفافة، لا سيما في ظل تعقّد الأوضاع في الأسواق العالمية. وتوقع أن يستمر هذا الزخم مع تعزيز مكانة دبي كمركز عالمي رائد لتداول السلع والمشتقات.
وتتوافق هذه المؤشرات مع الدور المتنامي لدولة الإمارات في سوق الذهب العالمي، إذ كشف تقرير صادر عن مركز دبي للسلع المتعددة (DMCC) العام الماضي عن نمو ملحوظ في نشاط تجارة الذهب، حيث بلغت القيمة الإجمالية لتدفقات الذهب عبر دبي في 2024 نحو 129 مليار دولار، بزيادة سنوية قدرها 36%.
تلعب بورصة بورصة دبي للذهب والسلع دورًا محوريًا في دعم استراتيجية DMCC لتعزيز قطاع المعادن الثمينة، خاصة مع وجود أكثر من 1500 شركة عاملة في تجارة الذهب ضمن المركز، ما يجعل البورصة عنصرًا تكميليًا للبنية التحتية المتكاملة التي تجمع بين التجارة المادية والمالية.
وقد أدى ازدياد شهية المستثمرين الآسيويين للذهب إلى تسريع وتيرة التداول في الشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة، ورغم أن ارتفاع الأسعار دفع بعض المستثمرين إلى تقليص أنشطتهم مؤخرًا، يتوقع المحللون استمرار الزخم القوي حتى عام 2025. ويؤكد الخبراء أن المستثمرين الصينيين، على وجه الخصوص، يجدون في الذهب أحد الخيارات القليلة المتاحة للحفاظ على رأس المال، ما يعزز مكانته كأصل موثوق في ظل الغموض الاقتصادي العالمي.
التعليقات مغلقة.