لم تنتهي أزمة الجنية الإسترليني بالرغم من تسجيل الجنيه الإسترليني ارتفاعات مقابل الدولار خلال شهر مايو الماضي، وذلك بعدما اغلق الشهر على ارتفاعات بنسبة 0.2٪. وهو أول شهر إيجابي للعملة البريطانية خلال 20222. ففي النصف الاول من العام الجاري تراجع الجنية الإسترليني بنسبة 8 في المئة. تسببت تلك التراجعات في تحويل العملة البريطانية لواحدة من بين العملات الأسوأ أداء حيث احتل الباوند المركز الثالث ما بين أسوأ العملات الرئيسية، بعد الين الياباني وال كورونا السويدية
اظهرت التقارير ان الأوضاع الاقتصادية في المملكة المتحدة غير جيد على الاطلاق، خاصة مع استمرار الازمات التي تدفع الاقتصاد البريطانية للدخول في مرحلة من الركود. بجانب الحالة الاقتصادية تواجه المملكة المتحدة بعض التوترات السياسية التي تتمثل في عدم استقرار الحكومات خاصة بعد تصويت البريكست. اخر تلك التوترات تمثلت في تصويت البرلمان في محاولة لسحب الثقة من حكومة بوريس جونسون.
توقع المحللين في عدة تقارير صدرت خلال الشهر الماضي ان الجنية الإسترليني قد يعاني من موجات تراجع جديدة. كانت اخر هذه التقارير الصادرة من بنك أوف أمريكا والذي وصف أزمة الجنيه الاسترليني بالوجودية” وأن العملة بتواجه صعوبات تعاني منها عملات الأسواق الناشئة. خاصة مع ان تصاعد في مراكز بيع الجنية الاسترليني.
أزمة الجنية الإسترليني
عانى الجنية الإسترليني مثل الكثير من العملات بسبب حالة عدم اليقين العالمية مثل الحرب في أوكرانيا والتضخم المرتفع وازمة سلاسل التوريد وتباطؤ النمو. بالإضافة لتأثيرات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والتي بدأت تعاني المملكة المتحدة من نتائجه في الوقت الحالي. على سبيل المثال واجهت بريطانيا ازمة في عدد سائقين الشاحنات المخصصة لنقل الغاز لمحطات الوقود خلال الشتاء الماضي، خاصة بعد مغادرة الكثير السائقين من اصحاب الجنسيات الاوروبية بعد البريكست. كذلك كانت من توابع الخروج ازمة الحدود الجمركية بين المملكة المتحدة وأيرلندا الشمالية، والتي لم تنته فصولها إلى الان.
هناك ايضاً توالي تغييرات الحكومات البريطانية رغم سيطرة المحافظين، الا ان القيادة غير المستقرة لرئيس الوزراء بوريس جونسون، التي لم تنجح رغم توقيع العديد من الاتفاقات في جذب الاستثمارات الأجنبية بالقدر اللازم. وهي من الازمات المتكررة في البلاد الا انها مسؤولة عن جزء من المشاكل اللي بتواجهه المملكة المتحدة حالياً
في الوقت الحالي اظهرت البيانات:
- انكماش اقتصاد المملكة المتحدة بنسبة 0.1٪ في مارس الماضي
- ارتفاع معدل التضخم إلى 9٪ على أساس سنوي في أبريل
- تراجع مؤشر ثقة المستهلك وسط ضغوط على القوة الشرائية مثل: ارتفاع تكاليف الطاقة، زيادة الضرائب، غلاء أسعار السلع
القادم أسوأ
رغم البيانات السيئة الا أن التوقعات تشير ان القادم أسوأ اول التوقعات كانت من صندوق النقد الدولي، والذي توقع ان يسجل متوسط معدل التضخم في بريطانيا نسبة 7.4% خلال 2022. كما تتضمن التوقعات تراجع التضخم بحوالي 2 في المئة خلال 2023 ليسجل مستويات 5.3 في المئة. وهي نسب غير جيدة بالمقارنة بتوقعات باقي دول مجموعة السبع، حيث لن تتجاوز نسبة التضخم نسبة 3 في المئة خلال 2023
في نفس التقرير توقع صندوق النقد تأثر حجم الإنتاج بسبب ارتفاع تكلفة المعيشة في بريطانيا. ليتراجع ترتيب المملكة المتحدة للمركز الاخير من بين دول مجموعة السبعة من حيث للناتج المحلي الإجمالي المتوقع خلال 2023
في غضون ذلك نشر معهد المديرين التنفيذين توقعات تضمنت نتائج أكثر تشاؤمًا للاقتصاد البريطاني. بعد بيانات اظهرت ان أكثر من خُمس الشركات تخطط لخفض الاستثمار في المملكة خلال العام القادم. كما سجل التقرير أن سعر الصرف الفعلي للجنية الاسترليني مبالغ فيه، وفقًا لأسعار الصرف الفعلية الحقيقية
في تقرير اخر من بنك يوني كريدت ربط ما بين تحركات الجنيه الاسترليني وحركة أسواق الأسهم العالمية التي تعاني الامرين في الوقت الحالي، من حيث الوزن التجاري حيث اشار التقرير أن عمليات البيع الكبيرة في أسواق الأسهم بتشكل “عبئًا إضافي على الجنيه الاسترليني”.
ارجع المحللين خطورة الوضع في اقتصاد المملكة المتحدة لتعرضها لعدة ضغوط التضخم المختلفة تحتاج لحلول أكبر من مجرد رفع الفائدة. تتمثل هذه المخاطر في:
- وضع التضخم غير العادي
- ارتفاع عجز الحساب الجاري في المملكة المتحدة.
التضخم
اوضح تقرير صندوق النقد أن سياسة التشديد النقدي التي يتبعها بنك إنجلترا عن طريق رفع الفائدة غير كفاية لإنقاذ الاسترليني من التراجع رغم الزيادات المقررة في سعر الفائدة حتى نهاية العام. بعد رفع سعر الفائدة الأساسي اربع مرات على التوالي ليصل سعر الفائدة الاساسي لنسبة 1٪ في أوائل شهر مايو، وهو اعلى مستوى في 13 عامًا
حيث جمع التضخم في بريطانيا ما بين بين أسوأ المشاكل التضخم في الولايات المتحدة وأوروبا. فالاقتصاد البريطاني يعاني من سوق العمل الضيّقة التي تشهدها الولايات المتحدة، حيث ارتفعت الأجور مع تقلص القوة العاملة بنسبة 1.3% منذ بداية الجائحة. كذلك أزمة الطاقة التي تعاني منها القارة الأوروبية، حيث تسبب ارتفاع أسعار الطاقة والسلع لزيادة الأسعار بنحو 80 في المئة. وهو ما يصعب الامور على صناع السياسات النقدية في بنك انجلترا بالمقارنة بمعظم الدولة الصناعية الكبرى الأخرى
رغم ذلك ستبقى أسعار الفائدة مرتفعة في بريطانيا لفترة أطول مقارنة بدول مجموعة السبع. حيث يتوقع بنك انجلترا أن التضخم سيرتفع إلى ما يقرب من 10٪ هذا العام. وهو امر غير جيد للجنية الإسترليني، فرفع الأسعار الفائدة في الاقتصاد المتباطئ بشكل حاد بالفعل لا يمثل أبدًا نظرة جيدة لأي عملة.
ارتفاع عجز الحساب الجاري في المملكة المتحدة
بالإضافة للمخاوف السابقة هناك توقعات بتوسع العجز الذي تشهده البلاد في الحساب الجاري – المقصود التدفقات المالية من وإلى الاقتصاد او أرباح الدولة وإنفاقها في الخارج – في هذا الإطار، يوصي بنك اوف امريكا العملاء بالتحوط من مخاطر
“أزمة يقودها الحساب الجاري”
رغم ان عجز الحساب الجاري في المملكة المتحدة مشكلة ليست بالجديدة، لكن ما قد يضخمها تغير ظروف السيولة والتداول على الجنيه الإسترليني. الذي يواجه واحدة من أصعب الظروف الاقتصادية الكلية والسياسية في خلال 30 سنه.
صعوبة تمويل الشركات يزيد من التوقُّعات القاتمة للبلاد.
ما يزيد الامر سوء هو توقعات بانكماش الاقتصاد البريطاني 0.3 في المئة خلال الربع الاخير من العام خاصة مع تواصل رفع أسعار الفائدة الذي يرفع بالتابعية تكاليف اقتراض الشركات. الامر الذي يرفع التوقُّعات غيرة الجيدة لأرباح الشركات.
حيث ترجع صعوبة التمويل الذي تحتاجه الشركات العاملة في المملكة المتحدة للتراجع مستمر لمؤشر سوق السندات المقوّم بالجنية الإسترليني، وتراجع المقترضين عن سوق الاقراض. فإنَّ سوق سندات الشركات الجديدة بالإسترليني، قد توقفت فعلياً.
اظهرت التقارير ان حجم إصدار عام 2022 من قبل الشركات غير المالية بالمملكة المتحدة سجل حوالي 3.78 مليار جنيه إسترليني فقط، وهو أدنى مستوى منذ عام 2016. وهو ما يقدر تقريبا بحوالي ثلث ما تم بيعه خلال الفترة نفسها من العام الماضي.
فمن ناحية لا يملك بنك انجلترا غير رفع سعر الفائدة، وما يستتبعه من رفع تكاليف الاقتراض للشركات التي قد تضطر في بعض الاحيان لمضاعفة اقساط الاقراض. في النهاية تمثل الزيادة في خدمة الديون ازمة جديدة خاصة في بيئة تضخمية، التي تتسبب في ضعف الطلب من قبل المستهلكين. لتكون الشركات الصغيرة والمتوسطة أكثر حساسية لهذه الظروف
توقعات الجنية الاسترليني
حسب العديد من التقارير اظهرت البيانات والتي ترجع للعام الماضي، ان انخفاض النمو والمخاطر المتزايدة في المملكة المتحدة قد تتسبب في هروب المستثمرين من الجنيه حيث تراجع صافي مراكز الشراء للجنيه البريطاني منذ أبريل من 2021. مع تراجع استثمارات صناديق التحوّط في مشتقات الجنيه الإسترليني والعقود الآجلة إلى الانخفاض. في نفس الوقت ارتفعت تكلفة التحوط من التقلبات في الجنيه الإسترليني خلال العام الحالي.
بسبب هذا التراجع نصح كثير من المحللين بشراء اليورو مقابل الجنية الإسترليني خاصة مع تحول سياسة المركزي الاوروبي لصالح تشديد السياسة النقدية، في هذا الاطار قال جورج سارافيلوس، الرئيس العالمي لأبحاث الفوركس في دويتشه بنك
إن التفاؤل الأكبر بشأن النمو الأوروبي، فضلاً عن عودة معدلات الفائدة الإيجابية، تعني أن اليورو يستعد للتفوق على كل من الدولار والجنيه الإسترليني.
كما تضمن تقرير بنك أوف أميركا السابق الاشارة اليه نصيحة لبيع الجنية الاسترليني مقابل اليورو حيث قال
الوسيلة المفضلة للاستفادة من تراجع الجنيه الاسترليني “الملحمي “تكون خلال شراء اليورو مقابل الجنيه الإسترليني.
اخيراً توقع ستيفن بارو، رئيس إستراتيجية العملات الأجنبية في Standard Advisory London
“من وجهة نظر تنبؤية، أعتقد أنه من المرجح أن ينخفض الجنيه الإسترليني إلى 1.20 دولار.” ارتفاع اليورو الإسترليني فوق 95 بنسًا.
التعليقات مغلقة.